الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (210) قوله : وما تنزلت به الشياطين : العامة على الياء ورفع النون، وهو جمع تكسير. وقرأ الحسن البصري وابن السميفع والأعمش بالواو مكان الياء، والنون مفتوحة إجراء له مجرى جمع السلامة. وهذه القراءة قد ردها جمع كثير من النحويين. قال الفراء: "غلط الشيخ ظن أنها النون التي على هجاءين". وقال النضر بن شميل: "إن جاز أن يحتج بقول العجاج ورؤبة فهلا جاز أن يحتج بقول الحسن وصاحبه يعني محمد بن السميفع، مع أنا نعلم أنهما لم يقرآ به إلا وقد سمعا فيه". وقال النحاس: "هو غلط عند جميع النحويين". وقال المهدوي: "هو غير جائز في العربية". وقال أبو حاتم: "هي غلط منه أو عليه".

                                                                                                                                                                                                                                      وقد أثبت هذه القراءة جماعة من أهل العلم، ودفعوا عنها الغلط، فإن القارئ بها من العلم بمكان مكين، وأجابوا عنها بأجوبة صالحة. فقال: النضر بن شميل: "قال يونس بن حبيب: سمعت أعرابيا يقول: "دخلت بساتين من ورائها بساتون" فقلت: ما أشبه هذا بقراءة الحسن" وخرجها بعضهم على أنها جمع شياط بالتشديد مثال مبالغة، مثل "ضراب" و "قتال"، على أن يكون مشتقا من شاط يشيط أي: أحرق، ثم جمع جمع سلامة مع تخفيف الياء فوزنه [ ص: 563 ] فعالون مخففا من فعالين بتشديد العين. ويدل على ذلك أنهما وغيرهما قرؤوا بذلك أعني بتشديد الياء. وهذا منقول عن مؤرج السدوسي ووجهها آخرون: بأن آخره لما كان يشبه آخر يبرين وفلسطين أجري إعرابه تارة على النون، وتارة بالحرف كما قالوا: هذه يبرين وفلسطين ويبرون وفلسطون. وقد تقدم القول في ذلك في البقرة.

                                                                                                                                                                                                                                      والهاء في "به" تعود على القرآن.

                                                                                                                                                                                                                                      وجاءت هذه الجمل الثلاث منفية على أحسن ترتيب نفى أولا تنزيل الشياطين به; لأن النفي في الغالب يكون في الممكن، وإن كان الإمكان هنا منتفيا. ثم نفى ثانيا انبغاء ذلك أي: ولو فرض الإمكان لم يكونوا أهلا له، ثم نفى ثالثا الاستطاعة والقدرة، ثم ذكر علة ذلك، وهي انعزالهم عن السماع من الملأ الأعلى; لأنهم يرجمون بالشهب لو تسمعوا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية