الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 387 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط ( 70 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : فلما رأى إبراهيم أيديهم لا تصل إلى العجل الذي أتاهم به ، والطعام الذي قدم إليهم ، نكرهم ، وذلك أنه لما قدم طعامه صلى الله عليه وسلم إليهم ، فيما ذكر ، كفوا عن أكله ، لأنهم لم يكونوا ممن يأكله . وكان إمساكهم عن أكله ، عند إبراهيم ، وهم ضيفانه مستنكرا . ولم تكن بينهم معرفة ، وراعه أمرهم ، وأوجس في نفسه منهم خيفة .

وكان قتادة يقول : كان إنكاره ذلك من أمرهم ، كما : -

18311 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة ) ، وكانت العرب إذا نزل بهم ضيف فلم يطعم من طعامهم ، ظنوا أنه لم يجئ بخير ، وأنه يحدث نفسه بشر .

18312 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم ) ، قال : كانوا إذا نزل بهم ضيف فلم يأكل من طعامهم ، ظنوا أنه لم يأت بخير ، وأنه يحدث نفسه بشر ، ثم حدثوه عند ذلك بما جاؤوا .

وقال غيره في ذلك ما : -

18313 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا إسرائيل ، عن الأسود بن قيس ، عن جندب بن سفيان قال : لما دخل ضيف إبراهيم عليه [ ص: 388 ] السلام ، قرب إليهم العجل ، فجعلوا ينكتون بقداح في أيديهم من نبل ، ولا تصل أيديهم إليه ، نكرهم عند ذلك .

يقال منه : "نكرت الشيء أنكره" ، و"أنكرته أنكره " ، بمعنى واحد ، ومن "نكرت" و"أنكرت" ، قول الأعشى :


وأنكرتني وما كان الذي نكرت من الحوادث ، إلا الشيب والصلعا



فجمع اللغتين جميعا في البيت . وقال أبو ذؤيب :


فنكرنه ، فنفرن ، وامترست به     هوجاء هادية وهاد جرشع

[ ص: 389 ]

وقوله : ( وأوجس منهم خيفة ) ، يقول : أحس في نفسه منهم خيفة وأضمرها . ( قالوا لا تخف ) ، يقول : قالت الملائكة ، لما رأت ما بإبراهيم من الخوف منهم : لا تخف منا وكن آمنا ، فإنا ملائكة ربك ( أرسلنا إلى قوم لوط ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية