الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              القول في شبه المنكرين للقياس ، والصائرين إلى حظره شبه المنكرين للقياس ، والصائرين إلى حظره من جهة الكتاب ، والسنة ، ، وهي سبع .

              الأولى : تمسكهم بقوله تعالى : { ما فرطنا في الكتاب من شيء } ، وقوله : { تبيانا لكل شيء } قالوا : معناه بيانا لكل شيء مما شرع لكم ، فإنه ليس فيه بيان الأشياء كلها فليكن كل مشروع في الكتاب ، وما ليس مشروعا ، فيبقى على النفي الأصلي .

              والجواب من أوجه الأول : أنه أين في كتاب الله تعالى مسألة الجد ، والإخوة ، والعول ، والمبتوتة ، والمفوضة ، وأنت علي حرام ، وفيها حكم لله تعالى شرعي اتفق الصحابة على طلبه ، والكتاب بيان له إما بتمهيد طريق الاعتبار أو بالدلالة على الإجماع ، والسنة ، وقد ثبت القياس بالإجماع ، والسنة ، فيكون الكتاب قد بينه .

              الثاني : أنكم حرمتم القياس ، وليس في كتاب الله تعالى بيان تحريمه ، فيلزمكم تخصيص قوله تعالى لكل شيء كما خصص قوله : { خالق كل شيء } { وأوتيت من [ ص: 295 ] كل شيء } و { تدمر كل شيء }

              الثانية : قوله تعالى : { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } ، وهذا حكم بغير المنزل . قلنا :

              القياس ثابت بالسنة ، والإجماع ، وقد دل عليه الكتاب المنزل ، كيف ، ومن حكم بمعنى استنبط من المنزل فقد حكم بالمنزل ؟ ثم هذا خطاب مع الرسول عليه السلام ، وقد قاسوا عليه غيره فأقروا بالقياس في معرض إبطال القياس مع انقداح الفرق إذ قال قوم : لم يجز الاجتهاد للرسول عليه السلام كي لا يتهم ; ولأنه كان يقدر على التبليغ بالوحي بخلاف الأمة .

              ، وهذا الجواب أيضا عن قوله : { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم } { ومن لم يحكم بما أنزل الله }

              الثالثة : قوله تعالى : { وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } { ولا تقف ما ليس لك به علم } ، و { إن الظن لا يغني من الحق شيئا } { إن بعض الظن إثم } قلنا : إذا علمنا أنا إذا ظننا كون زيد في الدار حرم علينا الربا في البر ثم ظننا كان الحكم مقطوعا به لا مظنونا كما إذا ظن القاضي صدق الشهود ، وكما في القبلة ، وجزاء الصيد ، وأبواب تحقيق مناط الحكم ، ثم نقول : هذا عام أراد به ظنون الكفار المخالفة للأدلة القاطعة .

              ثم نقول : ألستم قاطعين بإبطال القياس مع أنا نقطع بخطئكم ؟ فلا تحكموا بالظن ، وليس من الجواب المرضي قول القائل : الظن علم في الظاهر ، فإن العلم ليس له ظاهر ، وباطن .

              الرابعة : قوله تعالى : { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم } قالوا : وأنتم تجادلون في القياس قلنا : وأنتم تجادلون في نفيه ، وإبطاله فإن قلتم : أراد به الجدال الباطل فهو عذرنا ، فإنه رد عليهم في جدالهم بخلاف النص حيث قالوا : نأكل مما قتلناه ، ولا نأكل مما قتله الله ، وكما قاسوا الربا على البيع فرد الله تعالى عليهم في قولهم : { إنما البيع مثل الربا } .

              الخامسة : قوله : { فردوه إلى الله والرسول } قالوا : وأنتم تردون إلى الرأي . قلنا : لا بل نرده إلى العلل المستنبطة من نصوص النبي عليه السلام ، والقياس عبارة عن تفهم معاني النصوص بتجريد مناط الحكم ، وحذف الحشو الذي لا أثر له في الحكم ، وأنتم فقد رددتم القياس من غير رد إلى نص النبي عليه السلام ، ولا إلى معنى مستنبط من النص .

              السادسة : قوله عليه السلام : { تعمل هذه الأمة برهة بالكتاب ، وبرهة بالسنة ، وبرهة بالقياس فإذا فعلوا ذلك فقد ضلوا } قلنا أراد به الرأي المخالف للنص بدليل قوله : { ستفترق أمتي نيفا وسبعين فرقة أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحلون الحرام ، ويحرمون الحلال } ، وما نقلوا من آثار الصحابة في ذم الرأي ، والقياس قد تكلمنا عليه .

              السابعة : قول الشيعة ، وأهل التعليم إنكم اعترفتم ببطلان القياس بخلاف النص ، والنصوص محيطة بجميع المسائل ، وإنما يعلمها الإمام المعصوم ، وهو نائب الرسول ، فيجب [ ص: 296 ] مراجعته ، قالوا : ولا يمنع من هذا كون الوقائع غير متناهية ، وكون النصوص متناهية ; لأن التي لا تتناهى أحكام الأشخاص كحكم زيد ، وعمرو في أنه عدل تقبل شهادته أم لا ، وفقير تصرف إليه الزكاة أم لا ، ومسلم أن هذا يعرف بالاجتهاد ; لأنه يرجع إلى تحقيق مناط الحكم ، أما الروابط الكلية للأحكام فيمكن ضبطها بالنص بأن نقول مثلا : من سرق نصابا كاملا من حرز مثله لا شبهة له فيه ، فيلزمه القطع ، ومن أفطر في نهار رمضان بجماع تام أثم به لأجل الصوم . لزمته الكفارة ; فما تناولته الرابطة الجامعة يجري فيه الحكم ، وما خرج عنه مما لا يتناهى يبقى على الحكم الأصلي فتكون محيطة بهذه الطرق .

              والجواب أنا لا نسلم بطلان القياس مع النص ، ونسلم إمكان الربط بالضوابط ، والروابط الكلية ، لكنكم اخترعتم هذه الدعوى ، فإن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في مسألة الجد ، والحرام ، والمفوضة ، ومسائل كثيرة ، وكانوا يطلبون من سمع فيها حديثا من النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيهم المعصوم بزعمكم ، وكانوا يشاورونه ، ويراجعونه فتارة وافقوه ، وتارة خالفوه ، ولم ينقل قط حديثا ، ولا نصا إلا ساعدوه ، بل قبلوا النقل من كل عدل فضلا عن الخلفاء الراشدين ، فلم كتم النص عنهم في بعض المسائل ، وتركهم مختلفين إن كانت النصوص محيطة ؟ فبالضرورة يعلم من اجتهادهم ، واختلافهم أن النصوص لم تكن محيطة ، فدل هذا أنهم كانوا متعبدين بالاجتهاد .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية