الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وله من في السماوات والأرض استئناف مقرر لما قبله من خلقه تعالى لجميع مخلوقاته على حكمة بالغة ونظام كامل وأنه سبحانه يحق الحق ويزهق الباطل ، وقيل هو عديل لقوله تعالى : ولكم الويل وهو كما ترى أي وله تعالى خاصة جميع المخلوقات خلقا وملكا وتدبيرا وتصرفا وإحياء وإماتة وتعذيبا وإثابة من غير أن [ ص: 21 ] يكون لأحد في ذلك دخل ما استقلالا واستتباعا ، وكأنه أريد هنا إظهار مزيد العظمة فجيء بالسماوات جمعا على معنى له كل من هو في واحدة واحدة من السماوات ولم يرد فيما مر سوى بيان اشتمال هذا السقف المشاهد والفراش الممهد وما استقر بينهما على الحكم التي لا تحصى فلذا جيء بصيغة الإفراد دون الجمع .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي الإتقان حيث يراد العدد يؤتى بالسماء مجموعة وحيث يراد الجهة يؤتى بها مفردة ومن عنده وهم الملائكة مطلقا عليهم السلام على ما روي عن قتادة وغيره ، والمراد بالعندية عندية الشرف لا عندية المكان وقد شبه قرب المكانة والمنزلة بقرب المكان والمسافة فعبر عن المشبه بلفظ دال على المشبه به فهناك استعارة مصرحة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل عبر عنهم بذلك تنزيلا لهم لكرامتهم عليه عز وجل منزلة المقربين عند الملوك بطريق التمثيل ، والموصول مبتدأ خبره قوله تعالى : لا يستكبرون عن عبادته أي لا يتعظمون عنها ولا يعدون أنفسهم كبراء ولا يستحسرون أي لا يكلون ولا يتعبون يقال حسر البعير واستحسر كل وتعب وحسرته أنا فهو متعد ولازم ويقال أيضا أحسرته بالهمز .

                                                                                                                                                                                                                                      والظاهر أن الاستحسار حيث لا طلب كما هنا أبلغ من الحسور فإن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى ، والمراد من الاتحاد بينهما الدال عليه كلامهم الاتحاد في أصل المعنى ، والتعبير به للتنبيه على أن عبادتهم بثقلها ودوامها حقيقة بأن يستحسر منها ومع ذلك لا يستحسرون وليس لنفي المبالغة في الحسور مع ثبوت أصله في الجملة ، ونظير ذلك قوله تعالى : وما ربك بظلام للعبيد [فصلت : 46] على أحد الأوجه المشهورة فيه .

                                                                                                                                                                                                                                      وجوز أبو البقاء وغيره أن يكون ذلك معطوفا على من الأولى وأمر تفسيره بالملائكة عليهم السلام على حاله ، وذكر أن هذا العطف لكون المعطوف أخص من المعطوف عليه في نفس الأمر كالعطف في قوله تعالى : تنزل الملائكة والروح [القدر : 4] في الدلالة على رفعة شأن المعطوف وتعظيمه حيث أفرد بالذكر مع اندراجه في عموم ما قبله ، وقيل : إنما أفرد لأنه أعم من وجه فإن من في الأرض يشمل البشر ونحوهم وهو يشمل الحافين بالعرش دونه ، وجوز أن يراد بمن عنده نوع من الملائكة عليهم السلام متعال عن التبوء والاستقرار في السماء والأرض ، وكأن هذا ميل إلى القول بتجرد نوع من الملائكة عليهم السلام ، وأنت تعلم أن جمهور أهل الإسلام لا يقولون بتجرد شيء من الممكنات . والمشهور عن القائلين به القول بتجرد الملائكة مطلقا لا بتجرد بعض دون بعض .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم إن أبا البقاء جوز في قوله تعالى : لا يستكبرون على هذا الوجه أن يكون حالا من الأولى والثانية على قول من رفع بالظرف أو من الضمير في الظرف الذي هو الخبر أو من الضمير في ( عنده ) ويتعين أحد الأخيرين عند من يعرب من مبتدأ ولا يجوز مجيء الحال من المبتدأ ولا يخفى .

                                                                                                                                                                                                                                      وجوز بعض الأفاضل أن تكون الجملة مستأنفة والأظهر جعلها خبرا لمن عنده ، وفي بعض أوجه الحالية ما لا يخفى ،

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية