الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3186 ) فصل : وكان أحمد رحمه الله ، لا يقبل جوائز السلطان ، وينكر على ولده وعمه قبولها ، ويشدد في ذلك ، وممن كان لا يقبلها سعيد بن المسيب ، والقاسم ، وبشر بن سعيد ، ومحمد بن واسع ، والثوري ، وابن المبارك ، وكان هذا منهم على سبيل الورع والتوقي ، لا على أنها حرام ، فإن أحمد قال : جوائز السلطان أحب إلي من الصدقة .

                                                                                                                                            وقال : ليس أحد من المسلمين إلا وله في هذه الدراهم نصيب فكيف أقول : إنها سحت ؟ وممن كان يقبل جوائزهم ابن عمر ، وابن عباس ، وعائشة وغيرهم من الصحابة ، مثل الحسن ، والحسين وعبد الله بن جعفر . ورخص فيه الحسن البصري ومكحول ، والزهري والشافعي . واحتج بعضهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم { اشترى من يهودي طعاما ، ومات ودرعه مرهونة عنده } . { وأجاب يهوديا دعاه ، وأكل من طعامه . } وقد أخبر الله تعالى أنهم أكالون للسحت وروي عن علي ، رضي الله عنه ، أنه قال : لا بأس بجوائز السلطان ، فإن ما يعطيكم من الحلال أكثر مما يعطيكم من الحرام . وقال : لا تسأل السلطان شيئا ، وإن أعطى فخذ ، فإن ما في بيت المال من الحلال أكثر مما فيه من الحرام .

                                                                                                                                            فصل : قال أحمد رحمه الله ، في من معه ثلاثة دراهم حرام : يتصدق بالثلاثة ، وإن كان معه مائتا درهم ، فيها عشرة حرام ، يتصدق بالعشرة ; لأن هذا كثير ، وذاك قليل . فقيل له : قال سفيان : ما كان دون العشرة يتصدق به ، وما كان أكثر يخرج . قال : نعم ، لا يجحف به . قال القاضي : وليس هذا على سبيل التحديد ، وإنما هو على طريق الاختيار ; لأنه كلما كثر الحلال بعد تناول الحرام ، وشق التورع عن الجميع ، بخلاف القليل فإنه يسهل إخراج الكل .

                                                                                                                                            والواجب في الموضعين إخراج قدر الحرام ، والباقي مباح له ; وهذا لأن تحريمه لم يكن لتحريم عينه ، وإنما حرم لتعلق حق غيره به ، فإذا أخرج عوضه زال التحريم عنه ، كما لو كان صاحبه حاضرا فرضي بعوضه ، وسواء كان قليلا أو كثيرا . والورع إخراج ما يتيقن به إخراج عين الحرام ، ولا يحصل ذلك إلا بإخراج [ ص: 182 ] الجميع ، لكن لما شق ذلك في الكثير ، ترك لأجل المشقة فيه ، واقتصر على الواجب . ثم يختلف هذا باختلاف الناس ; فمنهم من لا يكون له إلا الدراهم اليسيرة ، فيشق إخراجها ; لحاجته إليها ، ومنهم من يكون له مال كثير ، فيستغني عنها ، فيسهل إخراجها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية