الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 263 ] 258 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : إن { من أشراط الساعة تسليم المعرفة وتسليم الخاصة }

1590 - حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا بشير بن سليمان ، قال : حدثنا سيار أبو الحكم ، عن { طارق ، قال : كنا مع عبد الله بن مسعود فجاء إذنه ، فقال : قد قامت الصلاة ، فقام وقمنا معه ، فدخلنا المسجد ، فرأى الناس ركوعا في مقدم المسجد فكبر وركع ومشى ، وفعلنا مثل ما فعل ، فمر رجل مسرع ، فقال : عليك السلام أبا عبد الرحمن ، فقال : صدق الله عز وجل وبلغ رسوله ، فلما صلينا رجع فولج أهله ، وجلسنا مكاننا ننتظره حتى يخرج ، فقال بعضنا لبعض : أيكم يسأله ؟ فقال طارق : أنا أسأله ، فسأله طارق ، فقال : سلم الرجل عليك ، فرددت عليه صدق الله وبلغ رسوله } . قال : فروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : { ما بين يدي الساعة تسليم الخاصة وفشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها على التجارة ، وقطع الأرحام ، وظهور شهادة الزور ، وكتمان شهادة الحق } .

[ ص: 264 ]

[ ص: 265 ]

1591 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا موسى بن إسماعيل المنقري ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن أبي حمزة ، عن إبراهيم ، عن { علقمة ، أنه كان مع مسروق وابن مسعود بينهما فجاء أعرابي ، فقال : السلام عليك يا ابن أم عبد فضحك ابن مسعود ، فقال : مم تضحك ؟ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن من أشراط الساعة السلام بالمعرفة ، وأن يمر الرجل بالمسجد ثم لا يصلي فيه } .

[ ص: 266 ]

1592 - حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا محمد بن الصباح ، قال : حدثنا عمر بن عبد الرحمن الأبار ، عن منصور ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن مسروق أو غيره - كذا قال عمر - قال { دخل المسجد رجل وابن مسعود في المسجد ومعه رجل ، فقال : السلام عليك يا أبا عبد الرحمن ، فقال له : وعليك ، الله أكبر ، صدق الله ورسوله ، صدق الله ورسوله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أشراط الساعة أن لا يسلم الرجل على الرجل إلا لمعرفة أو من معرفة ، أو أن يمر بالمسجد عرضه وطوله ، ثم لا يصلي فيه ركعتين ، ومن أشراط الساعة أن يطاول الحفاة العراة - أو قال : العراة الحفاة - في بنيان المدر ، وأن يبعث الشاب الشيخ بريدا بين الأفقين } [ ص: 267 ] فقال قائل : فقد رويتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في رده السلام على من سلم عليه ردا خاصا بقوله : وعليك السلام ، وذكر .

1593 - ما قد حدثنا فهد ، قال : حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي ، عن أبيه ، عن جده ، عن رفاعة بن رافع ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا هو جالس في المسجد ونحن معه إذ دخل رجل كالبدوي فصلى فأخف صلاته ، ثم انصرف فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : النبي صلى الله عليه وسلم وعليك ارجع ، فصل فإنك لم تصل } .

1594 - وما قد حدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبار ، قال : أخبرني ابن لهيعة والليث ، عن محمد بن عجلان ، عمن أخبره ، عن علي بن يحيى بن خلاد ، عن أبيه ، عن عمه رفاعة بن رافع قال : { كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخل رجل ، فصلى ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرمقه ، فلما فرغ جاء فسلم على النبي .

[ ص: 268 ] صلى الله عليه وسلم ، فقال : وعليك مني السلام ، فارجع فصل فإنك لم تصل .
} [ ص: 269 ]

[ ص: 270 ]

1595 - وما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو داود الطيالسي ، قال : حدثنا سليمان بن المغيرة ( ح ) وما قد حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال أخبرنا سليمان بن المغيرة القيسي ، قال : حدثنا حميد بن هلال [ ص: 271 ] العدوي ، عن عبد الله بن الصامت ، عن أبي ذر في حديث إسلامه ، قال : فانتهيت إليه - يعني إلى النبي صلى الله عليه وسلم - وقد صلى هو وصاحبه - يعني أبا بكر رضي الله عنه - فكنت أول من حياه بتحية أهل الإسلام ، فقال : وعليك ورحمة الله } .

قال : ففي هذا الحديث في رد رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام ردا خاصا لم يعم به المسلم وغيره من الناس ، مما ينكرون أن يكون كذلك السلام يكون سلاما خاصا لمن يريد المسلم به السلام عليه دون من سواه ممن لا يريد السلام عليه .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله وعونه ، أن المسلم على الواحد من الجماعة قد كان عليه السلام على كل واحد من تلك الجماعة كما عليه السلام للذي سلم عليه ، فاختصاصه ذلك الواحد بذلك السلام دون بقيتهم ظلم منه لبقيتهم ؛ لأن من حق المسلم على المسلم أن يسلم عليه إذا لقيه ، والرد من المسلم ، فإنما هو رد عن نفسه لا عن غيره ، أو رد عن جماعة هو منهم كما يقول أهل العلم في ذلك [ ص: 272 ] مما يختلفون فيه منه ، فالرد هو على واحد ، فجاز أن يختص به دون من سواه من الناس ، فيقال له : وعليك والسلام من الجائي الجماعة ، فسلام يجب عليه أن يعم به الجماعة ، فإذا قصد به إلى أحدها كان قد قصر ببقيتها عن الواجب ، كان لها عليه في ذلك .

ومما يدخل في هذا الباب ما قد تقدم ذكرنا له في حديث أبي هريرة لما { دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب وهو يصلي ، فلم يجبه ، فلما فرغ أتاه ، فقال : السلام عليك يا رسول الله ، وقد ذكرناه فيما تقدم منا في كتابنا هذا ، فذلك سلام خاص وهو عندنا غير مخالف لما قد ذكرناه قبله في هذا الباب ؛ لأنه قد يجوز أن يكون سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وحده ، فلم ينكر ذلك عليه .

فقال قائل : فقد روى حديث أبي ذر الذي ذكرت أبو هلال الراسبي ، عن عبد الله بن الصامت ، فخالف سليمان بن المغيرة فيه .

1596 - فذكر ما قد حدثنا محمد بن إبراهيم بن يحيى بن جناد البغدادي ، قال : حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا أبو هلال الراسبي ، قال : حدثنا حميد بن هلال ، عن عبد الله بن الصامت ، قال : قال لي أبو ذر ... ثم ذكر حديث إسلامه . قال : فقلت : السلام عليك يا رسول الله . قال : وعليك .

[ ص: 273 ] قال : ففي هذا الحديث سلام أبي ذر على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلاما خاصا ، وقد كان معه أبو بكر رضي الله عنه على ما في حديث سليمان بن المغيرة الذي رويته .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه ، أنه قد يحتمل أن يكون أبو ذر كان مع أبي بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم متشاغل إما بصلاة ، وإما بطواف بالبيت ؛ لأن ذلك إنما كان بمكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند البيت ، فلم يحتج إلى السلام على أبي بكر رضي الله عنه ، وكانت به الحاجة إلى السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقصد بسلامه إليه ، فلم ينكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهذا يدل على أنه جائز لمن جاء إلى رجل واحد ليس معه غيره أن يكون سلامه عليه : السلام عليك بخلاف ما يكون سلامه لو جاء إلى رجل في جماعة في سلامه الذي يعمهم ، وإياه به . والله نسأله التوفيق

التالي السابق


الخدمات العلمية