الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فصل :

264 - ذكر سلمة بن الفضل ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان الثقفي ، قال : قدم رجل من أراشة بإبل له مكة ، فابتاعها منه أبو جهل بن هشام ، فمطله بأثمانها ، فأقبل الأراشي حتى وقف على ناد من قريش ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس في ناحية المجلس ، فقال : يا معشر قريش ، من رجل يوديني على أبي الحكم بن هشام ؟ فإني غريب ابن سبيل ، وقد غلبني على حقي ، فقال أهل المجلس : ترى ذلك الرجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهم يهزؤون به لما يعلمون بينه وبين أبي جهل من العداوة ، اذهب إليه ، فإنه يوديك عليه ، قال : فأقبل الأراشي حتى وقف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : يا عبد الله ، إن أبا الحكم بن هشام غلبني على حق لي قبله ، وأنا غريب ابن سبيل ، وقد سألت هؤلاء القوم عن رجل يوديني عليه ليأخذني لي حقي منه ، فأشاروا إليك ، فخذ لي حقي منه ، يرحمك الله ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معه ، فلما رآه أهل المجلس قام معه ، قالوا لرجل ممن كان معهم : اتبعه ، وانظر ماذا يصنع ؟ قال : وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى جاءه ، فضرب عليه بابه ، فقال : من هذا ؟ قال : محمد ، فاخرج إلي ، فخرج إليه ، وما في وجهه رائحة ، ولقد انتقع لونه ، قال : أعط هذا الرجل حقه ، قال : لا تبرح حتى أعطيه الذي له ، قال : فدخل ، فخرج إليه بحقه ، فدفعه [ ص: 197 ] إليه ، ثم انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقال للأراشي : الحق بشأنك ، فأقبل الأراشي حتى وقف بذلك المجلس ، فقال : جزاه الله خيرا ، فقد والله أخذ لي الذي لي ، وجاء الرجل الذي بعثوا معه ، فقص عليهم القصة ، ثم لم يلبثوا أن جاء أبو جهل ، فقالوا : ويلك ، ما لك ما رأينا مثل ما صنعت قط ؟ قال : ويحكم ، ما هو والله إلا أن ضرب علي بابي ، وسمعت صوته ، فملئت رعبا ، ثم خرجت إليه ، وإن فوق رأسه لفحلا من الإبل ما رأيت مثل هامته ، ولا قصرته ، ولا أنيابه لفحل قط ، والله لو أبيت لأكلني .

قال الإمام - رحمه الله - : أراشة : قبيلة ، والنادي : المجلس ، وقوله : يوديني ، أي : يعينني ، يقال : آداه عليه يوديه ، أي : قواه ، وأعانه عليه ، وانتقع لونه ، أي : تغير ، والقصرة : أصل العنق .

التالي السابق


الخدمات العلمية