[ ص: 160 ] nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=64nindex.php?page=treesubj&link=28999_30558_30351_29468وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون
هذا موجه إلى جميع الذين نودوا بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=62أين شركائي الذين كنتم تزعمون فإن ذلك النداء كان توبيخا لهم على اتخاذهم آلهة شركاء لله تعالى . فلما شعروا بالمقصد من ندائهم وتصدى كبراؤهم للاعتذار عن اتخاذهم أتبع ذلك بهذا القول .
وأسند فعل القول إلى المجهول ؛ لأن الفاعل معلوم مما تقدم ، أي وقال الله . والأمر مستعمل في الإطماع لتعقب الإطماع باليأس .
وإضافة الشركاء إلى ضمير المخاطبين ؛ لأنهم الذين ادعوا لهم الشركة كما في آية الأنعام
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=94الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء . والدعاء دعاء الاستغاثة حسب زعمهم أنهم شفعاؤهم عند الله في الدنيا . وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=64فلم يستجيبوا لهم هو محل التأييس المقصود من الكلام .
وأما قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=64ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون فيحتمل معاني كثيرة فرضها المفسرون ; وجماع أقوالهم فيها أخذا وردا أن نجمعها في أربعة وجوه : أحدها : أن يكون عطفا على جملة " فلم يستجيبوا لهم " . والرؤية بصرية ، والعذاب عذاب الآخرة ، أي أحضر لهم آلة العذاب ليعلموا أن شركاءهم لا يغنون عنهم شيئا . وعلى هذا تكون جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=64لو أنهم كانوا يهتدون مستأنفة ابتدائية مستقلة عن جملة " ورأوا العذاب " .
الثاني : أن تكون الواو للحال ، والرؤية أيضا بصرية ، والعذاب عذاب الآخرة ، أي وقد رأوا العذاب فارتبكوا في الاهتداء إلى سبيل الخلاص ، فقيل لهم : ادعوا شركاءكم لخلاصكم ، وتكون جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=64لو أنهم كانوا يهتدون كذلك مستأنفة ابتدائية .
الثالث : أن تكون الرؤية علمية ، وحذف المفعول الثاني اختصارا ، والعذاب عذاب الآخرة . والمعنى : وعلموا العذاب حائقا بهم ، والواو للعطف أو الحال . وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=64لو أنهم كانوا يهتدون مستأنفة استئنافا بيانيا كأن سائلا سأل : ماذا
[ ص: 161 ] صنعوا حين تحققوا أنهم معذبون ؟ فأجيب بأنهم لو أنهم كانوا يهتدون سبيلا لسلكوه ، ولكنهم لا سبيل لهم إلى النجاة .
وعلى هذه الوجوه الثلاثة تكون " لو " حرف شرط وجوابها محذوفا دل عليه حذف مفعول " يهتدون " أي يهتدون خلاصا أو سبيلا . والتقدير : لتخلصوا منه . وعلى الوجوه الثلاثة ففعل " كانوا " مزيد في الكلام لتوكيد خبر " أن " أي : لو أنهم يهتدون اهتداء متمكنا من نفوسهم ، وفي ذلك إيماء أنهم حينئذ لا قرارة لنفوسهم . وصيغة المضارع في " يهتدون " دالة على التجدد ، فالاهتداء منقطع منهم ، وهو كناية عن عدم الاهتداء من أصله .
الوجه الرابع : أن تكون " لو " للتمني المستعمل في التحسر عليهم ، والمراد اهتداؤهم في حياتهم الدنيا كيلا يقعوا في هذا العذاب ، وفعل " كانوا " حينئذ في موقعه الدال على الاتصاف بالخبر في الماضي ، وصيغة المضارع في " يهتدون " لقصد تجدد الهدى المتحسر على فواته عنهم ، فإن الهدى لا ينفع صاحبه إلا إذا استمر إلى آخر حياته .
ووجه خامس عندي : أن يكون المراد بالعذاب عذاب الدنيا ، والكلام على حذف مضاف تقديره : ورأوا آثار العذاب . والرؤية بصرية ، أي وهم رأوا العذاب في حياتهم ، أي رأوا آثار عذاب الأمم الذين كذبوا الرسل ، وهذا في معنى قوله تعالى في سورة إبراهيم
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=45وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم ، وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=64لو أنهم كانوا يهتدون شرط جوابه محذوف دل عليه
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=64لو أنهم كانوا يهتدون أي بالاتعاظ وبالاستدلال بحلول العذاب في الدنيا على أن وراءه عذابا أعظم منه - لاهتدوا فأقلعوا عن الشرك وصدقوا النبيء ، صلى الله عليه وسلم ، وهذا لأنه يفيد معنى زائدا على ما أفادته جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=64فلم يستجيبوا لهم . فهذه عدة معان يفيدها لفظ الآية ، وكلها مقصودة ، فالآية من جوامع الكلم .
[ ص: 160 ] nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=64nindex.php?page=treesubj&link=28999_30558_30351_29468وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ
هَذَا مُوَجَّهٌ إِلَى جَمِيعِ الَّذِينَ نُودُوا بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=62أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ فَإِنَّ ذَلِكَ النِّدَاءَ كَانَ تَوْبِيخًا لَهُمْ عَلَى اتِّخَاذِهِمْ آلِهَةً شُرَكَاءَ لِلَّهِ تَعَالَى . فَلَمَّا شَعَرُوا بِالْمَقْصِدِ مِنْ نِدَائِهِمْ وَتَصَدَّى كُبَرَاؤُهُمْ لِلِاعْتِذَارِ عَنِ اتِّخَاذِهِمْ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِهَذَا الْقَوْلِ .
وَأَسْنَدَ فِعْلَ الْقَوْلِ إِلَى الْمَجْهُولِ ؛ لِأَنَّ الْفَاعِلَ مَعْلُومٌ مِمَّا تَقَدَّمَ ، أَيْ وَقَالَ اللَّهُ . وَالْأَمْرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِطْمَاعِ لِتَعَقُّبِ الْإِطْمَاعِ بِالْيَأْسِ .
وَإِضَافَةُ الشُّرَكَاءِ إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ ؛ لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ ادَّعَوْا لَهُمُ الشَّرِكَةَ كَمَا فِي آيَةِ الْأَنْعَامِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=94الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ . وَالدُّعَاءُ دُعَاءُ الِاسْتِغَاثَةِ حَسَبَ زَعْمِهِمْ أَنَّهُمْ شُفَعَاؤُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا . وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=64فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ هُوَ مَحَلُّ التَّأْيِيسِ الْمَقْصُودِ مِنَ الْكَلَامِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=64وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ فَيَحْتَمِلُ مَعَانِيَ كَثِيرَةً فَرَضَهَا الْمُفَسِّرُونَ ; وَجُمَّاعُ أَقْوَالِهِمْ فِيهَا أَخْذًا وَرَدًّا أَنْ نَجْمَعَهَا فِي أَرْبَعَةِ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ " فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ " . وَالرُّؤْيَةُ بَصَرِيَّةٌ ، وَالْعَذَابُ عَذَابُ الْآخِرَةِ ، أَيْ أَحْضَرَ لَهُمْ آلَةَ الْعَذَابِ لِيَعْلَمُوا أَنَّ شُرَكَاءَهُمْ لَا يُغْنُونَ عَنْهُمْ شَيْئًا . وَعَلَى هَذَا تَكُونُ جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=64لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ مُسْتَأْنَفَةً ابْتِدَائِيَّةً مُسْتَقِلَّةً عَنْ جُمْلَةِ " وَرَأَوُا الْعَذَابَ " .
الثَّانِي : أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ لِلْحَالِ ، وَالرُّؤْيَةُ أَيْضًا بَصَرِيَّةً ، وَالْعَذَابُ عَذَابَ الْآخِرَةِ ، أَيْ وَقَدْ رَأَوُا الْعَذَابَ فَارْتَبَكُوا فِي الِاهْتِدَاءِ إِلَى سَبِيلِ الْخَلَاصِ ، فَقِيلَ لَهُمْ : ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ لِخَلَاصِكُمْ ، وَتَكُونُ جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=64لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ كَذَلِكَ مُسْتَأْنَفَةً ابْتِدَائِيَّةً .
الثَّالِثُ : أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَةُ عِلْمِيَّةً ، وَحُذِفَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي اخْتِصَارًا ، وَالْعَذَابُ عَذَابَ الْآخِرَةِ . وَالْمَعْنَى : وَعَلِمُوا الْعَذَابَ حَائِقًا بِهِمْ ، وَالْوَاوُ لِلْعَطْفِ أَوِ الْحَالِ . وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=64لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا كَأَنَّ سَائِلًا سَأَلَ : مَاذَا
[ ص: 161 ] صَنَعُوا حِينَ تَحَقَّقُوا أَنَّهُمْ مُعَذَّبُونَ ؟ فَأُجِيبُ بِأَنَّهُمْ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا لَسَلَكُوهُ ، وَلَكِنَّهُمْ لَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَى النَّجَاةِ .
وَعَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ تَكُونُ " لَوْ " حَرْفَ شَرْطٍ وَجَوَابُهَا مَحْذُوفًا دَلَّ عَلَيْهِ حَذْفُ مَفْعُولِ " يَهْتَدُونَ " أَيْ يَهْتَدُونَ خَلَاصًا أَوْ سَبِيلًا . وَالتَّقْدِيرُ : لَتَخَلَّصُوا مِنْهُ . وَعَلَى الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ فَفِعْلُ " كَانُوا " مَزِيدٌ فِي الْكَلَامِ لِتَوْكِيدِ خَبَرِ " أَنَّ " أَيْ : لَوْ أَنَّهُمْ يَهْتَدُونَ اهْتِدَاءً مُتَمَكِّنًا مِنْ نُفُوسِهِمْ ، وَفِي ذَلِكَ إِيمَاءٌ أَنَّهُمْ حِينَئِذٍ لَا قَرَارَةَ لِنُفُوسِهِمْ . وَصِيغَةُ الْمُضَارِعِ فِي " يَهْتَدُونَ " دَالَّةٌ عَلَى التَّجَدُّدِ ، فَالِاهْتِدَاءُ مُنْقَطِعٌ مِنْهُمْ ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ الِاهْتِدَاءِ مِنْ أَصْلِهِ .
الْوَجْهُ الرَّابِعُ : أَنْ تَكُونَ " لَوْ " لِلتَّمَنِّي الْمُسْتَعْمَلِ فِي التَّحَسُّرِ عَلَيْهِمْ ، وَالْمُرَادُ اهْتِدَاؤُهُمْ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا كَيْلَا يَقَعُوا فِي هَذَا الْعَذَابِ ، وَفِعْلُ " كَانُوا " حِينَئِذٍ فِي مَوْقِعِهِ الدَّالِّ عَلَى الِاتِّصَافِ بِالْخَبَرِ فِي الْمَاضِي ، وَصِيغَةُ الْمُضَارِعِ فِي " يَهْتَدُونَ " لِقَصْدِ تَجَدُّدِ الْهُدَى الْمُتَحَسَّرِ عَلَى فَوَاتِهِ عَنْهُمْ ، فَإِنَّ الْهُدَى لَا يَنْفَعُ صَاحِبَهُ إِلَّا إِذَا اسْتَمَرَّ إِلَى آخِرِ حَيَاتِهِ .
وَوَجْهٌ خَامِسٌ عِنْدِي : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعَذَابِ عَذَابَ الدُّنْيَا ، وَالْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ : وَرَأَوْا آثَارَ الْعَذَابِ . وَالرُّؤْيَةُ بَصَرِيَّةٌ ، أَيْ وَهُمْ رَأَوُا الْعَذَابَ فِي حَيَاتِهِمْ ، أَيْ رَأَوْا آثَارَ عَذَابِ الْأُمَمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا الرُّسُلَ ، وَهَذَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=45وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ ، وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=64لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ شَرْطٌ جَوَابُهُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=64لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ أَيْ بِالِاتِّعَاظِ وَبِالِاسْتِدْلَالِ بِحُلُولِ الْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا عَلَى أَنَّ وَرَاءَهُ عَذَابًا أَعْظَمَ مِنْهُ - لَاهْتَدَوْا فَأَقْلَعُوا عَنِ الشِّرْكِ وَصَدَّقُوا النَّبِيءَ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ يُفِيدُ مَعْنًى زَائِدًا عَلَى مَا أَفَادَتْهُ جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=64فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ . فَهَذِهِ عِدَّةُ مَعَانٍ يُفِيدُهَا لَفْظُ الْآيَةِ ، وَكُلُّهَا مَقْصُودَةٌ ، فَالْآيَةُ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ .