الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ أوب ]

                                                          أوب : الأوب : الرجوع . آب إلى الشيء : رجع ، يئوب أوبا وإيابا وأوبة وأيبة ، على المعاقبة وإيبة ، بالكسر ، عناللحياني : رجع . وأوب وتأوب وأيب كله : رجع . وآب الغائب يئوب مآبا إذا رجع ، ويقال : ليهنئك أوبة الغائب أي إيابه . وفي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنه كان إذا أقبل من سفر قال : آيبون تائبون ، لربنا حامدون ، وهو جمع سلامة لآيب . وفي التنزيل العزيز : وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ، أي حسن المرجع الذي يصير إليه في الآخرة . قال شمر : كل شيء رجع إلى مكانه فقد آب يئوب إيابا إذا رجع . أبو عبيدة : هو سريع الأوبة أي الرجوع . وقوم يحولون الواو ياء فيقولون : سريع الأيبة . وفي دعاء السفر : توبا لربنا أوبا أي توبا راجعا مكررا ، يقال منه : آب يئوب أوبا ، فهو آيب . وفي التنزيل العزيز : إن إلينا إيابهم ، وإيابهم أي رجوعهم ، وهو فيعال من أيب فيعل . قال الفراء : ، وهو بتخفيف الياء والتشديد فيه خطأ . قال الزجاج : قرئ إيابهم ، بالتشديد ، وهو مصدر أيب إيابا ، على معنى فيعل فيعالا ، من آب يئوب ، والأصل إيوابا ، فأدغمت الياء في [ ص: 189 ] الواو ، وانقلبت الواو إلى الياء ، لأنها سبقت بسكون . قال الأزهري : لا أدري من قرأ إيابهم ، بالتشديد ، والقراء على إيابهم مخففا . وقوله عز وجل : ياجبال أوبي معه ، ويقرأ أوبي معه ، فمن قرأ أوبي معه ، فمعناه يا جبال سبحي معه ورجعي التسبيح ، لأنه قال : سخرنا الجبال معه يسبحن ; ومن قرأ أوبي معه ، فمعناه عودي معه في التسبيح كلما عاد فيه . والمآب المرجع . وأتاب : مثل آب ، فعل وافتعل بمعنى . قال الشاعر :


                                                          ومن يتق فإن الله معه ورزق الله مؤتاب وغادي



                                                          وقول ساعدة بن عجلان :


                                                          ألا يا لهف أفلتني حصيب     فقلبي ، من تذكره بليد
                                                          فلو أني عرفتك حين أرمي     لآبك مرهف منها حديد



                                                          يجوز أن يكون آبك متعديا بنفسه أي جاءك مرهف ، نصل محدد ، ويجوز أن يكون أراد آب إليك ، فحذف وأوصل . ورجل آيب من قوم أواب وأياب وأوب ، الأخيرة اسم للجمع ، وقيل : جمع آيب . وأوبه إليه وآب به ، وقيل لا يكون الإياب إلا الرجوع إلى أهله ليلا . التهذيب : يقال للرجل يرجع بالليل إلى أهله : قد تأوبهم وأتابهم ، فهو مؤتاب ومتأوب ، مثل ائتمره . ورجل آيب من قوم أوب ، وأواب : كثير الرجوع إلى الله - عز وجل - من ذنبه . والأوبة : الرجوع ، كالتوبة . والأواب : التائب . قال أبو بكر : في قولهم رجل أواب سبعة أقوال : قال قوم : الأواب الراحم ; وقال قوم : الأواب التائب ، وقال سعيد بن جبير : الأواب المسبح ، وقال ابن المسيب : الأواب الذي يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب ، وقال قتادة : الأواب المطيع ، وقال عبيد بن عمير : الأواب الذي يذكر ذنبه في الخلاء ، فيستغفر الله منه ، وقال أهل اللغة : الأواب الرجاع الذي يرجع إلى التوبة والطاعة ، من آب يئوب إذا رجع . قال الله - تعالى - : لكل أواب حفيظ ، . قال عبيد :


                                                          وكل ذي غيبة يئوب     وغائب الموت لا يئوب



                                                          ، وقال : تأوبه منها عقابيل أي راجعه . وفي التنزيل العزيز : داود ذا الأيد إنه أواب ، قال عبيد بن عمير : الأواب الحفيظ الذي لا يقوم من مجلسه . وفي الحديث : صلاة الأوابين حين ترمض الفصال ، هو جمع أواب ، وهو الكثير الرجوع إلى الله - عز وجل - بالتوبة ; وقيل هو المطيع ; وقيل هو المسبح يريد صلاة الضحى عند ارتفاع النهار وشدة الحر . وآبت الشمس تئوب إيابا وأيوبا ، الأخيرة عن سيبويه : غابت في مآبها أي في مغيبها ، كأنها رجعت إلى مبدئها . قال تبع :


                                                          فرأى مغيب الشمس عند مآبها     في عين ذي خلب وثأط حرمد



                                                          ، وقال عتيبة بن الحارث اليربوعي :


                                                          تروحنا من اللعباء عصرا     وأعجلنا الإلاهة أن تئوبا



                                                          أراد : قبل أن تغيب . وقال :


                                                          يبادر الجونة أن تئوبا



                                                          وفي الحديث : شغلونا عن صلاة الوسطى حتى آبت الشمس ملأ الله قلوبهم نارا ، أي غربت ، من الأوب الرجوع ، لأنها ترجع بالغروب إلى الموضع الذي طلعت منه ، ولو استعمل ذلك في طلوعها لكان وجها لكنه لم يستعمل . وتأوبه وتأيبه على المعاقبة : أتاه ليلا ، وهو المتأوب والمتأيب . وفلان سريع الأوبة . وقوم يحولون الواو ياء ، فيقولون : سريع الأيبة . وأبت إلى بني فلان ، وتأوبتهم إذا أتيتهم ليلا . وتأوبت إذا جئت أول الليل ، فأنا متأوب ومتأيب . وأبت الماء وتأوبته وأتبته : وردته ليلا . قال الهذلي :


                                                          أقب رباع بنزه الفلا     ة لا يرد الماء إلا ائتيابا



                                                          ومن رواه انتيابا ، فقد صحفه . والأيبة : أن ترد الإبل الماء كل ليلة . أنشد ابن الأعرابي - رحمه الله تعالى - :


                                                          لا تردن الماء إلا آيبه     أخشى عليك معشرا قراضبه
                                                          سود الوجوه يأكلون الآهبه



                                                          والآهبة : جمع إهاب . وقد تقدم . والتأويب في السير نهارا نظير الإسآد في السير ليلا . والتأويب : أن يسير النهار أجمع وينزل الليل . وقيل : هو تباري الركاب في السير . قال سلامة بن جندل :

                                                          يومان : يوم مقامات وأندية ، ويوم سير إلى الأعداء ، تأويب

                                                          التأويب : في كلام العرب : سير النهار كله إلى الليل . يقال : أوب القوم تأويبا أي ساروا بالنهار ، وأسأدوا إذا ساروا بالليل . والأوب : السرعة . والأوب : سرعة تقليب اليدين والرجلين في السير . قال :


                                                          كأن أوب مائح ذي أوب     أوب يديها برقاق سهب



                                                          وهذا الرجز أورد الجوهري البيت الثاني منه . قال ابن بري : صوابه أوب ، بضم الباء ، لأنه خبر كأن . والرقاق : أرض مستوية لينة التراب صلبة ما تحت التراب . والسهب : الواسع وصفه ; بما هو اسم الفلاة ، وهو السهب . وتقول : ناقة أءوب على فعول . وتقول : ما أحسن أوب دواعي هذه الناقة ، وهو رجعها قوائمها في السير ، والأوب : ترجيع الأيدي والقوائم . قال كعب بن زهير :


                                                          كأن أوب ذراعيها وقد عرقت     وقد تلفع بالقور العساقيل
                                                          أوب يدي ناقة شمطاء معولة     ناحت وجاوبها نكد مثاكيل



                                                          قال : والمآوبة : تباري الركاب في السير . وأنشد :


                                                          وإن تؤاوبه تجده مئوبا



                                                          [ ص: 190 ] وجاءوا من كل أوب أي من كل مآب ومستقر . وفي حديث أنس - رضي الله عنه - : فآب إليه ناس أي جاءوا إليه من كل ناحية . وجاءوا من كل أوب أي من كل طريق ووجه وناحية . قال ذو الرمة يصف صائدا رمى الوحش :


                                                          طوى شخصه حتى إذا ما تودفت     على هيلة من كل أوب نفالها



                                                          على هيلة أي على فزع ، وهول لما مر بها من الصائد مرة بعد أخرى . من كل أوب أي من كل وجه ، لأنه لا مكمن لها من كل وجه عن يمينها وعن شمالها ومن خلفها . ورمى أوبا أو أوبين أي وجها أو وجهين . ورمينا أوبا أو أوبين أي رشقا أو رشقين . والأوب : القصد والاستقامة . وما زال ذلك أوبه أي عادته وهجيراه ، عن اللحياني . والأوب : النحل ، وهو اسم جمع كأن الواحد آيب ، قال الهذلي :


                                                          رباء شماء لا يأوي لقلتها     إلا السحاب وإلا الأوب والسبل



                                                          ، قال أبو حنيفة : سميت أوبا لإيابها إلى المباءة . قال : وهي لا تزال في مسارحها ذاهبة وراجعة ، حتى إذا جنح الليل آبت كلها ، حتى لا يتخلف منها شيء . ومآبة البئر : مثل مباءتها ، حيث يجتمع إليه الماء فيها . وآبه الله : أبعده ، دعاء عليه ، وذلك إذا أمرته بخطة فعصاك ثم وقع فيما تكره ، فأتاك فأخبرك بذلك ، فعند ذلك تقول له : آبك الله ، وأنشد :


                                                          فآبك هلا والليالي بغرة     تلم وفي الأيام عنك غفول



                                                          ، وقال الآخر :


                                                          فآبك ألا كنت آليت حلفة     عليه وأغلقت الرتاج المضببا



                                                          ويقال لمن تنصحه ولا يقبل ، ثم يقع فيما حذرته منه : آبك . مثل ويلك . وأنشد سيبويه :


                                                          آبك أيه بي أو مصدر     من حمر الجلة ، جأب حشور



                                                          ، وكذلك آب لك . وأوب الأديم : قوره ، عن ثعلب . ابن الأعرابي : يقال أنا عذيقها المرجب وحجيرها المأوب . قال : المأوب : المدور المقور الململم ، وكلها أمثال وفي ترجمة بيت للمتنخل :


                                                          قد حال ، بين دريسيه مئوبة     مسع لها بعضاه الأرض تهزيز



                                                          قال ابن بري : مئوبة : ريح تأتي عند الليل . وآب : من أسماء الشهور عجمي معرب ، عن ابن الأعرابي . ومآب : اسم موضع من أرض البلقاء . قال عبد الله بن رواحة :


                                                          فلا وأبي مآب لنأتينها     وإن كانت بها عرب وروم



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية