الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فصل :

265 - ذكر الواقدي ، حدثني معاذ بن محمد ، قال : سألت عاصم بن عمر بن قتادة ، يعني عن خبر الشعب ، فقال : إن قريشا مشت إلى أبي طالب مرة بعد مرة ، فلما كانت المرة الأخيرة ، قالوا : يا أبا طالب ، إنا جئناك مرة بعد مرة نكلمك في ابن أخيك أن يكف عنا ، فيأبى ، وتعلم أنك وإن كنت فينا ذا منزلة لشرفك ، ومكانك ، فإنا لسنا بتاركي ابن أخيك حتى نهلكه ، أو يكف عنا ما قد أظهره فينا من شتم آبائنا ، وعيب ديننا ، فقال أبو طالب : أنظر في ذلك ، ثم قال أبو طالب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا ابن أخي ، قد جاءني قومك يشكونك ، وقد آذوني فيك ، وحملوني ما لا أطيق أنا ، ولا أنت ، فاكفف عنهم ما يكرهون من شتمك آباءهم ، وعيبك دينهم ، قال : فاستعبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم قال : والله لو وضعت الشمس في يميني ، والقمر في شمالي ما تركت هذا الأمر أبدا حتى أنفذه ، أو أهلك ، فلما رأى أبو طالب ما بلغ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : يا ابن أخي ، امض على أمرك ، وافعل ما أحببت ، فوالله لا أسلمك لشيء أبدا ، فلما رأت قريش أن قد أعذروا إلى أبي طالب ، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم بهذا الأمر أبت قريش أن تقار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم أظهروا العداوة له ، ولبني عبد المطلب ، وأقسموا بالله لنقتلن محمدا سرا ، أو علانية ، فلما رأى أبو طالب ذلك خافهم ، فجمع رهطه ، ثم انطلق بهم ، فأقامهم بين أستار الكعبة يدعو على ظلمة قومه في قطعهم أرحامهم ، وكتبت قريش كتابا ، فعلقوه في الكعبة ، ثم عمد أبو طالب ، [ ص: 198 ] فدخل الشعب بابن أخيه ، وبني عبد المطلب ، وبني المطلب بن عبد مناف ، فدخلوا الشعب فرارا من قومهم لما خوفوهم من قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

قال الإمام - رحمه الله - : قال أهل التاريخ : فحصروا في الشعب ثلاث سنين ، وقطع عنهم المير حتى هلك من هلك ، وكتبت قريش كتابا على بني هاشم أن لا ينكحوهم ، ولا ينكحوا فيهم ، ولا يبايعوهم ، ولا يبتاعوا منهم ، ولا يخالطوهم ، وكانوا لا يخرجون من الشعب إلا من موسم إلى موسم حتى بلغهم الجهد ، ويسمع أصوات صبيانهم من وراء الشعب ، قيل : كان كاتب الصحيفة منصور بن عكرمة العبدي فشلت يده ، وقيل كتبها طلحة بن أبي طلحة ، قال أهل التاريخ : بعث مطعم بن عدي بأربع جزائر موقرة طعاما حتى دخلت الشعب ، وقال : إن لهم أرحاما ، وقرابات ، وقد تلفوا ، فقال أبو جهل : لا ننكر برك ، ولا صلتك ، فلو ما أرسلت به ليلا ، فلا يراك سفهاؤنا ، وأحداثنا ، فيجترؤون علينا ، ويتبعون محمدا ، فقال : ما نتبع محمدا ، وإنا على دين آبائنا ، ولكنا نصل أرحامنا ، أما والله ما وافقني حصرهم ، ولقد ظلموا ، واستخف بحقهم ، وما أنا بآمن أن نعاقب في ظلمنا إياهم ، فانكسر أبو جهل ، وانصرف ، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يشكر هذا لمطعم بن عدي .

التالي السابق


الخدمات العلمية