الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان هذا واعظا لمن له استبصار، وعاطفا له إلى العزيز الغفار، تسبب عنه الإنكار عليهم في عدم الاعتبار، فعد أسفارهم - التي كانوا يرون فيها هذه القرى على الوجه الذي أخبر به سبحانه لما كانت على ذلك الوجه - عدما، فقال تعالى: أفلم يسيروا في الأرض أي وهم بصراء ينظرون بأعينهم ما يمرون عليه، من الآيات المرئية من القرى الظالمة المهلكة وغيرها، وقرينة الحث على السير دل على البصر.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الجواب منصوبا، علم أنه منفي لأنه مسبب عن همزة الإنكار التي معناها النفي، وقد دخلت على نفي السير فنفته، فأثبتت السير عريا عما أفاده الجواب، وهو قوله فتكون أي فيتسبب عن سيرهم أن تكون لهم قلوب واعية يعقلون بها ما رأوه بأبصارهم في الآيات المرئيات من الدلالة على وحدانية الله تعالى وقدرته على الإحياء والإماتة متى أراد فيعتبروا به، فانتفاء القلوب الموصوفة متوقف على نفي السير الذي هو إثبات السير، وكذا الكلام في الآذان من قوله ( أو ) أي أو تكون لهم إن كانوا عمي الأبصار [ ص: 64 ] كما دل عليه جعل هذا قسيما آذان يسمعون بها الآيات المسموعة المترجمة عن تلك القرى وغيرها سواء ساروا أو لم يسيروا، إن كانت بصائرهم غير نافذة الفهم بمجرد الرؤية فيتدبروها بقلوبهم، فإنه لا يضرهم فقد الأبصار عند وجود البصائر.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الضار للإنسان إنما هو عمى البصائر دون الأبصار، نفى العمى أصلا عن الأبصار لعدم ضرورة مع إنارة البصائر، وخصه بالبصر لوجود الضرر به ولو وجدت الأبصار مسببا عما مضى مع ما أرشد إليه من التقدير، فقال: فإنها لا تعمى الأبصار أي لعدم الضرر بعماها المستنير البصيرة ولكن تعمى القلوب وأكد المعنى بقوله: التي في الصدور لوجود الضرر بعماها المبطل لمنفعة صاحبها وإن كان البصر موجودا، فاحتيج في تصوير عماها إلى زيادة تعيين لما تعورف من أن العمى إنما هو للبصر، إعلاما بأن القلوب ما ذكرت غلطا، بل عمدا، تنبيها على أن عمى البصر عدم بالنسبة لى عماها، والمراد بالقلب لطيفة ربانية روحانية مودعة في اللحم الصنوبري المودع في الجانب الأيسر من الصدر، لديه تعلق. . . عقول الأكثر في أنه يضاهي تعلق العرض بالجسم، أو الصفة بالموصوف، أو المتمكن بمكان [ ص: 65 ] وهذه اللطيفة على حقيقة الإنسان سميت قلبا للمجاورة والتعلق، وهي كالفارس والبدن كله كالفرس، وعمى الفارس أضر على الفارس من عمى الفرس، بل لا نسبة لأحد الضررين بالآخرة، فلذلك نفى عمى الأبصار أصلا [ ص: 66 ] ورأسا، فلا شيء ضرره بالنسبة إلى عمى البصائر.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية