الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 107 ] فصل

قال : الاستقامة : روح تحيا به الأحوال ، كما تربو للعامة عليها الأعمال . وهي برزخ بين وهاد التفرق ، وروابي الجمع .

شبه الاستقامة للحال بمنزلة الروح للبدن . فكما أن البدن إذا خلا عن الروح فهو ميت ، فكذلك الحال إذا خلا عن الاستقامة فهو فاسد ، وكما أن حياة الأحوال بها ، فزيادة أعمال الزاهدين أيضا وربوها وزكاؤها بها . فلا زكاء للعمل ولا صحة للحال بدونها .

وأما كونها برزخا بين وهاد التفرق ، وروابي الجمع ، فالبرزخ هو الحاجز بين شيئين متغايرين . والوهاد : الأمكنة المنخفضة من الأرض . واستعارها للتفرق ؛ لأنها تحجب من يكون فيها عن مطالعة ما يراه من هو على الروابي ، كما أن صاحب التفرق محجوب عن مطالعة ما يراه صاحب الجمع ويشاهده .

وأيضا فإن حاله أنزل من حاله . فهو كصاحب الوهاد . وحال صاحب الجمع أعلى . فهو كصاحب الروابي . وشبه حال صاحب الجمع بحال من على الروابي لعلوه . ولأن الروابي تكشف لمن عليها القريب والبعيد ، وصاحب الجمع تكشف له الحقائق المحجوبة عن صاحب التفرقة .

إذا عرف هذا فمعنى كونها برزخا : أن السالك يكون في أول سلوكه في أودية التفرقة ، سائرا إلى روابي الجمع . فيستقيم في طريق سيره غاية الاستقامة . ليصل باستقامته إلى روابي الجمع . فاستقامته برزخ بين تلك التفرقة التي كان فيها . وبين الجمع الذي يؤمه ويقصده . وهذا بمنزلة تفرقة المقيم في البلد في أنواع التصرفات . فإذا عزم على السفر ، وخرج وفارق البلد . واستمر على السير : كان طريق سفره برزخا بين البلد الذي كان فيه ، والبلد الذي يقصده ويؤمه .

التالي السابق


الخدمات العلمية