الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( باب العين مع الهاء )

                                                          ( عهد ) في حديث الدعاء وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أي أنا مقيم على ما عاهدتك عليه من الإيمان بك والإقرار بوحدانيتك ، لا أزول عنه ، واستثنى بقوله : ما استطعت موضع القدر السابق في أمره : أي إن كان قد جرى القضاء أن أنقض العهد يوما ما ، فإني أخلد عند ذلك إلى التنصل والاعتذار لعدم الاستطاعة في دفع ما قضيته علي .

                                                          وقيل معناه : إني متمسك بما عهدته إلي من أمرك ونهيك ، ومبلي العذر في الوفاء به قدر الوسع والطاقة ، وإن كنت لا أقدر أن أبلغ كنه الواجب فيه .

                                                          [ ص: 325 ] ( هـ س ) وفيه لا يقتل مؤمن بكافر ، ولا ذو عهد في عهده - أي ولا ذو ذمة في ذمته - ولا مشرك أعطي أمانا فدخل دار الإسلام فلا يقتل حتى يعود إلى مأمنه .

                                                          ولهذا الحديث تأويلان بمقتضى مذهب الشافعي وأبي حنيفة ، أما الشافعي فقال : لا يقتل المسلم بالكافر مطلقا ; معاهدا كان أو غير معاهد ، حربيا كان أو ذميا ، مشركا [ كان ] أو كتابيا ، فأجرى اللفظ على ظاهره ولم يضمر له شيئا ، فكأنه نهى عن قتل المسلم بالكافر ، وعن قتل الكافر وعن قتل المعاهد ، وفائدة ذكره بعد قوله لا يقتل مسلم بكافر لئلا يتوهم متوهم أنه قد نفي عنه القود بقتله الكافر فيظن أن المعاهد لو قتله كان حكمه كذلك ، فقال : ولا ذو عهد في عهده ويكون الكلام معطوفا على ما قبله ، منتظما في سلكه من غير تقدير شيء محذوف .

                                                          وأما أبو حنيفة فإنه خصص الكافر في الحديث بالحربي دون الذمي ، وهو بخلاف الإطلاق ; لأن من مذهبه أن المسلم يقتل بالذمي ، فاحتاج أن يضمر في الكلام شيئا مقدرا ، ويجعل فيه تقديما وتأخيرا ، فيكون التقدير : لا يقتل مسلم ولا ذو عهد في عهده بكافر : أي لا يقتل مسلم ولا كافر معاهد بكافر ، فإن الكافر قد يكون معاهدا وغير معاهد .

                                                          ( هـ ) وفيه من قتل معاهدا لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا يجوز أن يكون بكسر الهاء وفتحها على الفاعل والمفعول ، وهو في الحديث بالفتح أشهر وأكثر .

                                                          والمعاهد : من كان بينك وبينه عهد ، وأكثر ما يطلق في الحديث على أهل الذمة ، وقد يطلق على غيرهم من الكفار إذا صولحوا على ترك الحرب مدة ما .

                                                          * ومنه الحديث لا يحل لكم كذا وكذا ، ولا لقطة معاهد أي لا يجوز أن يتملك لقطته الموجودة من ماله ; لأنه معصوم المال ، يجري حكمه مجرى حكم الذمي .

                                                          وقد تكرر ذكر " العهد " في الحديث . ويكون بمعنى اليمين ، والأمان ، والذمة ، والحفاظ ، ورعاية الحرمة ، والوصية . ولا تخرج الأحاديث الواردة فيه عن أحد هذه المعاني .

                                                          ( هـ ) * ومنه الحديث حسن العهد من الإيمان يريد الحفاظ ورعاية الحرمة .

                                                          [ ص: 326 ] ( س ) * ومنه الحديث تمسكوا بعهد ابن أم عبد أي ما يوصيكم به ويأمركم ، يدل عليه حديثه الآخر رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد لمعرفته بشفقته عليهم ونصيحته لهم . وابن أم عبد : هو عبد الله بن مسعود .

                                                          * ومنه حديث علي - رضي الله عنه - " عهد إلي النبي الأمي - صلى الله عليه وسلم - " أي أوصى .

                                                          * وحديث عبد بن زمعة " هو ابن أخي عهد إلي فيه أخي " .

                                                          ( هـ ) وفي حديث أم زرع ولا يسأل عما عهد أي عما كان يعرفه في البيت من طعام وشراب ونحوهما ; لسخائه وسعة نفسه .

                                                          ( س ) وفي حديث أم سلمة قالت لعائشة : وتركت عهيداه العهيدى - بالتشديد والقصر - فعيلى من العهد ، كالجهيدى من الجهد ، والعجيلى من العجلة .

                                                          ( س ) وفي حديث عقبة بن عامر " عهدة الرقيق ثلاثة أيام " هو أن يشتري الرقيق ولا يشترط البائع البراءة من العيب ، فما أصاب المشتري من عيب في الأيام الثلاثة فهو من مال البائع ، ويرد إن شاء بلا بينة ، فإن وجد به عيبا بعد الثلاثة فلا يرد إلا ببينة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية