[ ص: 275 ] قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=57وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين .
nindex.php?page=treesubj&link=28999قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=57وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا هذا قول مشركي
مكة قال
ابن عباس : قائل ذلك من
قريش الحارث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف القرشي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إنا لنعلم أن قولك حق ، ولكن يمنعنا أن نتبع الهدى معك ، ونؤمن بك ، مخافة أن يتخطفنا العرب من أرضنا - يعني
مكة - لاجتماعهم على خلافنا ، ولا طاقة لنا بهم وكان هذا من تعللاتهم ; فأجاب الله تعالى عما اعتل به فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=57أولم نمكن لهم حرما آمنا أي ذا أمن . وذلك أن العرب كانت في الجاهلية يغير بعضهم على بعض ، ويقتل بعضهم بعضا ،
وأهل مكة آمنون حيث كانوا بحرمة الحرم ، فأخبر أنه قد أمنهم بحرمة البيت ، ومنع عنهم عدوهم ، فلا يخافون أن تستحل العرب حرمة في قتالهم . والتخطف : الانتزاع بسرعة ; وقد تقدم . قال
يحيى بن سلام يقول : كنتم آمنين في حرمي ، تأكلون رزقي ، وتعبدون غيري ، أفتخافون إذا عبدتموني وآمنتم بي .
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=57يجبى إليه ثمرات كل شيء أي يجمع إليه ثمرات كل أرض وبلد ; عن
ابن عباس وغيره يقال : جبى الماء في الحوض أي جمعه . والجابية : الحوض العظيم . وقرأ
نافع : ( تجبى ) بالتاء ; لأجل الثمرات والباقون بالياء ، لقوله : كل شيء واختاره
أبو عبيد ; قال : لأنه حال بين الاسم المؤنث وبين فعله حائل وأيضا فإن الثمرات جمع ، وليس بتأنيث حقيقي . وقرئ ( يجنى ) بالنون من الجنا ، وتعديته ب ( إلى ) كقولك يجني إلى فيه ، ويجنى إلى الخافة .
[ ص: 276 ] nindex.php?page=treesubj&link=28999قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=58وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها بين لمن توهم أنه لو آمن لقاتلته العرب أن الخوف في ترك الإيمان أكثر ، فكم من قوم كفروا ثم حل بهم البوار ، والبطر والطغيان بالنعمة ; قاله
الزجاج . معيشتها أي في معيشتها فلما حذف ( في ) تعدى الفعل ; قاله
المازني .
الزجاج كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=155واختار موسى قومه سبعين رجلا الفراء : هو منصوب على التفسير . قال : كما تقول : أبطرت مالك وبطرته ونظيره عنده :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=130إلا من سفه نفسه وكذا عنده :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=4فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا ونصب المعارف على التفسير محال عند
البصريين ; لأن معنى التفسير والتمييز أن يكون واحدا نكرة يدل على الجنس . وقيل : انتصب ب ( بطرت ) ومعنى : ( بطرت ) جهلت ; فالمعنى : جهلت شكر معيشتها .
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=58فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا أي لم تسكن بعد إهلاك أهلها إلا قليلا من المساكن وأكثرها خراب والاستثناء يرجع إلى المساكن ، أي بعضها يسكن ; قاله
الزجاج واعترض عليه ; فقيل : لو كان الاستثناء يرجع إلى المساكن لقال : إلا قليل ; لأنك تقول : القوم لم تضرب إلا قليل ، ترفع إذا كان المضروب قليلا ، وإذا نصبت كان القليل صفة للضرب ; أي لم تضرب إلا ضربا قليلا ، فالمعنى إذا : فتلك مساكنهم لم يسكنها إلا المسافرون ومن مر بالطريق يوما أو بعض يوم أي لم تسكن من بعدهم إلا سكونا قليلا . وكذا قال
ابن عباس : لم يسكنها إلا المسافر أو مار الطريق يوما أو ساعة
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=58وكنا نحن الوارثين أي لما خلفوا بعد هلاكهم .
[ ص: 275 ] قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=57وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ .
nindex.php?page=treesubj&link=28999قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=57وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا هَذَا قَوْلُ مُشْرِكِي
مَكَّةَ قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : قَائِلُ ذَلِكَ مِنْ
قُرَيْشٍ الْحَارِثُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْقُرَشِيُّ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَكَ حَقٌّ ، وَلَكِنْ يَمْنَعُنَا أَنْ نَتَّبِعَ الْهُدَى مَعَكَ ، وَنُؤْمِنَ بِكَ ، مَخَافَةُ أَنْ يَتَخَطَّفَنَا الْعَرَبُ مِنْ أَرْضِنَا - يَعْنِي
مَكَّةَ - لِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى خِلَافِنَا ، وَلَا طَاقَةَ لَنَا بِهِمْ وَكَانَ هَذَا مِنْ تَعَلُّلَاتِهِمْ ; فَأَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى عَمَّا اعْتَلَّ بِهِ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=57أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا أَيْ ذَا أَمْنٍ . وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُغِيرُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ، وَيَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ،
وَأَهْلُ مَكَّةَ آمِنُونَ حَيْثُ كَانُوا بِحُرْمَةِ الْحَرَمِ ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ قَدْ أَمَّنَهُمْ بِحُرْمَةِ الْبَيْتِ ، وَمَنَعَ عَنْهُمْ عَدُوَّهُمْ ، فَلَا يَخَافُونَ أَنْ تَسْتَحِلَّ الْعَرَبُ حُرْمَةً فِي قِتَالِهِمْ . وَالتَّخَطُّفُ : الِانْتِزَاعُ بِسُرْعَةٍ ; وَقَدْ تَقَدَّمَ . قَالَ
يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ يَقُولُ : كُنْتُمْ آمِنِينَ فِي حَرَمِي ، تَأْكُلُونَ رِزْقِي ، وَتَعْبُدُونَ غَيْرِي ، أَفَتَخَافُونَ إِذَا عَبَدْتُمُونِي وَآمَنْتُمْ بِي .
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=57يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ أَيْ يُجْمَعُ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ أَرْضٍ وَبَلَدٍ ; عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ يُقَالُ : جَبَى الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ أَيْ جَمَعَهُ . وَالْجَابِيَةُ : الْحَوْضُ الْعَظِيمُ . وَقَرَأَ
نَافِعٌ : ( تُجْبَى ) بِالتَّاءِ ; لِأَجْلِ الثَّمَرَاتِ وَالْبَاقُونَ بِالْيَاءِ ، لِقَوْلِهِ : كُلُّ شَيْءٍ وَاخْتَارَهُ
أَبُو عُبَيْدٍ ; قَالَ : لِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَ الِاسْمِ الْمُؤَنَّثِ وَبَيْنَ فِعْلِهِ حَائِلٌ وَأَيْضًا فَإِنَّ الثَّمَرَاتِ جَمْعٌ ، وَلَيْسَ بِتَأْنِيثٍ حَقِيقِيٍّ . وَقُرِئَ ( يُجْنَى ) بِالنُّونِ مِنَ الْجَنَا ، وَتَعْدِيَتُهُ بِ ( إِلَى ) كَقَوْلِكَ يَجْنِي إِلَى فِيهِ ، وَيُجْنَى إِلَى الْخَافَّةِ .
[ ص: 276 ] nindex.php?page=treesubj&link=28999قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=58وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا بَيَّنَ لِمَنْ تَوَهَّمَ أَنَّهُ لَوْ آمَنَ لَقَاتَلَتْهُ الْعَرَبُ أَنَّ الْخَوْفَ فِي تَرْكِ الْإِيمَانِ أَكْثَرُ ، فَكَمْ مِنْ قَوْمٍ كَفَرُوا ثُمَّ حَلَّ بِهِمُ الْبَوَارُ ، وَالْبَطَرُ وَالطُّغْيَانُ بِالنِّعْمَةِ ; قَالَهُ
الزَّجَّاجُ . مَعِيشَتُهَا أَيْ فِي مَعِيشَتِهَا فَلَمَّا حُذِفَ ( فِي ) تَعَدَّى الْفِعْلُ ; قَالَهُ
الْمَازِنِيُّ .
الزَّجَّاجُ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=155وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا الْفَرَّاءُ : هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّفْسِيرِ . قَالَ : كَمَا تَقُولُ : أَبَطَرْتَ مَالَكَ وَبَطِرْتَهُ وَنَظِيرُهُ عِنْدَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=130إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَكَذَا عِنْدَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=4فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا وَنَصْبُ الْمَعَارِفِ عَلَى التَّفْسِيرِ مُحَالٌ عِنْدَ
الْبَصْرِيِّينَ ; لِأَنَّ مَعْنَى التَّفْسِيرِ وَالتَّمْيِيزِ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا نَكِرَةً يَدُلُّ عَلَى الْجِنْسِ . وَقِيلَ : انْتَصَبَ بِ ( بَطِرَتْ ) وَمَعْنَى : ( بَطِرَتْ ) جَهِلَتْ ; فَالْمَعْنَى : جَهِلَتْ شُكْرَ مَعِيشَتَهَا .
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=58فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا أَيْ لَمْ تُسْكَنْ بَعْدَ إِهْلَاكِ أَهْلِهَا إِلَّا قَلِيلًا مِنَ الْمَسَاكِنِ وَأَكْثَرُهَا خَرَابٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ يَرْجِعُ إِلَى الْمَسَاكِنِ ، أَيْ بَعْضُهَا يُسْكَنُ ; قَالَهُ
الزَّجَّاجُ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ ; فَقِيلَ : لَوْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ يَرْجِعُ إِلَى الْمَسَاكِنِ لَقَالَ : إِلَّا قَلِيلٌ ; لِأَنَّكَ تَقُولُ : الْقَوْمُ لَمْ تَضْرِبْ إِلَّا قَلِيلٌ ، تَرْفَعُ إِذَا كَانَ الْمَضْرُوبُ قَلِيلًا ، وَإِذَا نَصَبْتَ كَانَ الْقَلِيلُ صِفَةً لِلضَّرْبِ ; أَيْ لَمْ تَضْرِبْ إِلَّا ضَرْبًا قَلِيلًا ، فَالْمَعْنَى إِذًا : فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ يَسْكُنْهَا إِلَّا الْمُسَافِرُونَ وَمَنْ مَرَّ بِالطَّرِيقِ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ أَيْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا سُكُونًا قَلِيلًا . وَكَذَا قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : لَمْ يَسْكُنْهَا إِلَّا الْمُسَافِرُ أَوْ مَارُّ الطَّرِيقِ يَوْمًا أَوْ سَاعَةً
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=58وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ أَيْ لِمَا خَلَّفُوا بَعْدَ هَلَاكِهِمْ .