الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( ومن لزمته الجمعة ، وهو يريد السفر فإن كان يخاف فوت السفر - جاز له ترك الجمعة ; لأنه ينقطع عن الصحبة فيتضرر ، وإن لم يخف الفوت لم يجز أن يسافر بعد الزوال ; لأن الفرض قد توجه عليه فلا يجوز تفويته بالسفر ، وهل يجوز قبل الزوال ؟ فيه قولان ( أحدهما ) : يجوز ; لأنه لم تجب [ عليه ] فلا يحرم التفويت كبيع المال قبل الحول ( والثاني ) : لا يجوز وهو الأصح ; لأنه وقت لوجوب التسبب بدليل أن من كان داره على بعد لزمه القصد قبل الزوال ، ووجوب التسبب كوجوب الفعل ; فإذا لم يجز السفر بعد وجوب الفعل لم يجز بعد وجوب التسبب ) .

                                      [ ص: 365 ]

                                      التالي السابق


                                      [ ص: 365 ] الشرح ) قال أصحابنا : الأعذار المبيحة لترك الجمعة تبيح تركها سواء كانت قبل زوال الشمس أو حدثت بعده ، إلا السفر ففيه صور ( إحداها ) : إذا سافر قبل الفجر جاز بلا خلاف بكل حال .

                                      ( الثانية ) : أن يسافر بعد الزوال ، فإن كان يصلي الجمعة في طريقه بأن يكون في طريقه موضع يصلي فيه الجمعة ، ويعلم أنه يدركها فيه جاز له السفر ، وعليه أن يصليها فيه ، وهذا لا خلاف فيه ، وقد أهمله المصنف مع أنه ذكره في التنبيه وذكره الأصحاب ، وإن لم يكن في طريقه موضع يصلي فيه الجمعة - فإن كان عليه ضرر في تأخير السفر بأن تكون الرفقة الذين يجوز لهم السفر خارجين في الحال ، ويتضرر بالتخلف عنهم - جاز السفر ; لما ذكره المصنف هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور ، ونقل الرافعي أن الشيخ أبا حاتم القزويني حكى فيه وجهين ، والصواب الجزم بالجواز .

                                      ( الثالثة ) : أن يسافر بين الزوال وطلوع الفجر ، فحيث جوزناه بعد الزوال فهنا أولى ، وإلا فقولان مشهوران ذكر المصنف دليلهما ( أصحهما ) عند المصنف والأصحاب لا يجوز وهو نصه في أكثر كتبه الجديدة ( والثاني ) : يجوز ، نص عليه في القديم وحرملة واختلفوا في محلهما ، واتفقوا على جريانها في السفر المباح الذي طرفاه كالتجارة ، فأما الطاعة واجبة كانت أم مستحبة فقطع العراقيون بجريان القولين في سفرها ، وقطع القاضي حسين والبغوي وغيرهما من الخراسانيين بجوازه وخصوا القولين بالمباح ، وقال المتولي : في الطاعة طريقان : ( المذهب ) : الجواز ( والثاني ) : قولان ، وحيث حرمنا السفر فسافر لا يجوز له الترخص ما لم تفت الجمعة ثم حيث بلغ وقت فواتها يكون ابتداء سفره ، ذكره القاضي حسين والبغوي .

                                      ( فرع ) في مذاهب العلماء في السفر يوم الجمعة وليلتها أما ليلتها قبل طلوع الفجر فيجوز عندنا وعند العلماء كافة إلا ماحكاه العبدري عن إبراهيم النخعي أنه قال : لا يسافر بعد دخول العشاء من يوم الخميس حتى يصلي الجمعة ، وهذا مذهب باطل لا أصل له ، وأما السفر يوم الجمعة بعد الزوال إذا لم يخف فوت الرفقة ولم يصل الجمعة في طريقه فلا يجوز عندنا ، وبه قال مالك وأحمد وداود ، وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر [ ص: 366 ] وعائشة وابن المسيب ومجاهد .

                                      وقال أبو حنيفة : يجوز ، وأما السفر بين الفجر والزوال فقد ذكرنا أن الأصح عندنا تحريمه ، وبه قال ابن عمر وعائشة والنخعي ، وجوزه عمر بن الخطاب والزبير بن العوام وأبو عبيدة والحسن وابن سيرين ومالك وابن المنذر .

                                      واحتج لهم بحديث ابن رواحة رضي الله عنه ، وهو حديث ضعيف جدا ; وليس في المسألة حديث صحيح .




                                      الخدمات العلمية