الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب غسل المستحاضة لكل صلاة

                                                                                                                                            325 - ( عن عائشة رضي الله عنها قالت : { استحيضت زينب بنت جحش ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : اغتسلي لكل صلاة } . رواه أبو داود ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث فيه محمد بن إسحاق ، وقد حسن المنذري بعض طرقه . وأخرجه ابن ماجه ، وفيه دلالة على وجوب الاغتسال عليها لكل صلاة ، وقد ذهب إلى ذلك الإمامية .

                                                                                                                                            وروي عن ابن عمر وابن الزبير وعطاء بن أبي رباح ، وروى هذا أيضا عن علي عليه السلام وابن عباس ، وروي عن عائشة أنها قالت : " تغتسل كل يوم غسلا واحدا " .

                                                                                                                                            وعن [ ص: 302 ] ابن المسيب والحسن قالا : تغتسل من صلاة الظهر إلى صلاة الظهر ، ذكر ذلك النووي . وقد ذكر أبو داود حجج هذه الأقوال في سننه ، وجعلها أبوابا . وذهب الجمهور إلى أنه لا يجب عليها الاغتسال لشيء من الصلوات ، ولا في وقت من الأوقات إلا مرة واحدة في وقت انقطاع حيضها .

                                                                                                                                            قال النووي : وبهذا قال جمهور العلماء من السلف والخلف ، وهو مروي عن علي عليه السلام وابن مسعود وابن عباس وعائشة ، وهو قول عروة بن الزبير وأبي سلمة بن عبد الرحمن ومالك وأبي حنيفة وأحمد .

                                                                                                                                            ودليل الجمهور أن الأصل عدم الوجوب فلا يجب إلا بورود الشرع بإيجابه . قال النووي : ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمرها بالغسل إلا مرة واحدة عند انقطاع حيضها وهو قوله صلى الله عليه وسلم : { إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغتسلي } وليس في هذا ما يقتضي تكرار الغسل ، قال : وأما الأحاديث الواردة في سنن أبي داود والبيهقي وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالغسل فليس فيها شيء ثابت .

                                                                                                                                            وقد بين البيهقي ومن قبله ضعفها ، وإنما صح من هذا ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما { أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : فاغتسلي ثم صلي ، فكانت تغتسل عند كل صلاة } . قال الشافعي رحمه الله تعالى: إنما أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتصلي ، وليس فيه أنه أمرها أن تغتسل لكل صلاة ، قال : ولا أشك - إن شاء الله - أن غسلها كان تطوعا غير ما أمرت به ، وذلك واسع لها . وكذا قال سفيان بن عيينة والليث بن سعد وغيرهما ، وما ذهب إليه الجمهور من عدم وجوب الاغتسال إلا لإدبار الحيضة هو الحق ، لفقد الدليل الصحيح الذي تقوم به الحجة لا سيما في مثل هذا التكليف الشاق فإنه لا يكاد يقوم بما دونه في المشقة إلا خلص العباد ، فكيف بالنساء الناقصات الأديان بصريح الحديث ، والتيسير وعدم التنفير من المطالب التي أكثر المختار صلى الله عليه وسلم الإرشاد إليها ، فالبراءة الأصلية المعتضدة بمثل ما ذكر لا ينبغي الجزم بالانتقال عنها بما ليس بحجة توجب الانتقال ، وجميع الأحاديث التي فيها إيجاب الغسل لكل صلاة قد ذكر المصنف بعضها في هذا الباب ، وأكثرها يأتي في أبواب الحيض وكل واحد منها لا يخلو عن مقال كما ستعرف ذلك ، لا يقال إنها تنتهض للاستدلال بمجموعها ; لأنا نقول : هذا مسلم لو لم يوجد ما يعارضها ، وأما إذا كانت معارضة بما هو ثابت في الصحيح فلا .

                                                                                                                                            كحديث عائشة الآتي في أبواب الحيض ، فإن فيه { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة بنت أبي حبيش بالاغتسال عند ذهاب الحيضة } فقط ، وترك البيان في وقت الحاجة لا يجوز كما تقرر في الأصول . وقد جمع بعضهم بين الأحاديث بحمل أحاديث الغسل لكل صلاة على الاستحباب ، كما سيأتي في باب من تحيض ستا أو سبعا وهو جمع حسن . [ ص: 303 ]

                                                                                                                                            326 - ( وعن عائشة { أن سهلة بنت سهيل بن عمرو استحيضت فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته على ذلك فأمرها بالغسل عند كل صلاة ، فلما جهدها ذلك أمرها أن تجمع بين الظهر والعصر بغسل ، والمغرب والعشاء بغسل ، والصبح بغسل } . رواه أحمد وأبو داود ) الحديث في إسناده محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة ، وابن إسحاق ليس بحجة لا سيما إذا عنعن ، وعبد الرحمن قد قيل : إنه لم يسمع من أبيه . قال الحافظ : قد قيل : إن ابن إسحاق وهم فيه .

                                                                                                                                            والحديث يدل على أنه يجوز الجمع بين الصلاتين ، والاقتصار على غسل واحد لهما ، وقد عرفت ما هو الحق في الذي قبله . وقد ألحق بالمستحاضة المريض وسائر المعذورين بجامع المشقة ، ولهذا قال المصنف : وهو حجة في الجمع للمرضى انتهى .

                                                                                                                                            327 - ( وعن عروة بن الزبير عن { أسماء بنت عميس قالت : قلت يا رسول الله إن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت منذ كذا وكذا فلم تصل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا من الشيطان لتجلس في مركن فإذا رأت صفرة فوق الماء فلتغتسل للظهر والعصر غسلا واحدا ، وتغتسل للمغرب والعشاء غسلا واحدا ، وتغتسل للفجر غسلا وتتوضأ فيما بين ذلك } . رواه أبو داود ) . الحديث في إسناده سهيل بن أبي صالح ، وفي الاحتجاج بحديثه خلاف .

                                                                                                                                            وفي الباب عن حمنة بنت جحش وفيه { فإن قويت على أن تؤخري الظهر ، وتعجلي العصر ثم تغتسلي حتى تطهرين ، وتصلين الظهر والعصر جميعا ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي ، وتغتسلين مع الصبح وتصلين } . قال : وهذا أعجب الأمرين إلي أخرجه الشافعي وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني والحاكم ، وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل ، وهو مختلف في الاحتجاج به . وقال ابن منده : لا يصح بوجه من الوجوه ،

                                                                                                                                            وسيأتي بقية الكلام عليه في باب من تحيض ستا أو سبعا . وحديث الباب يدل على ما دل عليه الذي قبله ، وقد عرفت الخلاف في ذلك ، واختلف في وضوء المستحاضة هل يجب لكل صلاة أم لا ؟ سيأتي الكلام على ذلك في باب وضوء المستحاضة لكل صلاة . قوله : ( في مركن ) هو بكسر الميم الإجانة التي تغسل فيها الثياب ، والميم [ ص: 304 ] زائدة والإجانة بهمزة مكسورة فجيم مشددة فألف فنون ويقال : الإيجانة والإنجانة بالياء المثناة من تحت بعد الهمزة أو بالنون .

                                                                                                                                            قوله : ( فإذا رأت صفرة فوق الماء ) أي الذي تقعد فيه . فإنها تظهر الصفرة فوقه ، فعند ذلك يصب عليها الماء .

                                                                                                                                            وفي شرح المقربي لبلوغ المرام ما لفظه : أي صفرة الشمس ، وفي نسخة صفارة أي إذا زالت الشمس وقربت من العصر حتى ترى فوق الماء من شعاع الشمس شبه صفارة ; لأن شعاعها يتغير ، ويقل فيضرب إلى صفرة انتهى . فينظر في صحة هذا التفسير .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية