الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم

                                                                                                                                                                                                                                      وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الرسول من بعثه الله تعالى بشريعة جديدة يدعو الناس إليها ، والنبي يعمه ومن بعثه لتقرير شريعة سابقة كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا بين موسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام ولذلك شبه صلى الله عليه وسلم علماء أمته بهم فالنبي أعم من الرسول ، ويدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الأنبياء فقال : مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا . قيل : فكم الرسل منهم ؟ فقال : ثلثمائة وثلاثة عشر جما غفيرا . وقيل : الرسول من جمع إلى المعجزة كتابا منـزلا عليه ، والنبي غير الرسول من لا كتاب له . وقيل : الرسول من يأتيه الملك بالوحي ، والنبي يقال له ولمن يوحى إليه في المنام .

                                                                                                                                                                                                                                      إلا إذا تمنى أي : هيأ في نفسه ما يهواه ألقى الشيطان في أمنيته في تشهيه ما يوجب اشتغاله بالدنيا كما قال صلى الله عليه وسلم : "وإنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم سبعين مرة" .

                                                                                                                                                                                                                                      فينسخ الله ما يلقي الشيطان فيبطله ويذهب به بعصمته عن الركون إليه وإرشاده إلى ما يزيحه . ثم يحكم الله آياته أي : يثبت آياته الداعية إلى الاستغراق في شئون الحق ، وصيغة المضارع في الفعلين للدلالة على الاستمرار التجددي ، وإظهار الجلالة في موقع الإضمار لزيادة التقرير والإيذان بأن الألوهية من موجبات أحكام آياته الباهرة .

                                                                                                                                                                                                                                      والله عليم مبالغ في العلم بكل ما من شأنه أن يعلم ، ومن جملته ما صدر عن العباد من قول وفعل عمدا أو خطأ . حكيم في كل ما يفعل . والإظهار ههنا أيضا لما ذكر مع ما فيه من تأكيد استقلال الاعتراض التذييلي . قيل : حدث نفسه بزوال المسكنة فنـزلت ، وقيل : تمنى لحرصه على إيمان قومه أن ينـزل عليه ما يقربهم إليه واستمر به ذلك حتى كان في ناديهم فنـزلت عليه سورة النجم ، فأخذ يقرؤها فلما بلغ ومناة الثالثة الأخرى وسوس إليه الشيطان حتى سبق لسانه سهوا إلى أن قال : تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى ، ففرح به المشركون حتى شايعوه بالسجود لما سجد في آخرها بحيث لم يبق في المسجد مؤمن ولا مشرك إلا سجد ، ثم نبهه جبريل عليه السلام فاغتنم به فعزاه الله عز وجل بهذه الآية ، وهو مردود عند المحققين ولئن صح فابتلاء يتميز به الثابت على الإيمان عن المتـزلزل فيه . وقيل : [ ص: 114 ] تمنى بمعنى قرأ كقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      تمنى كتاب الله أول ليلة ... تمني داود الزبور على رسل



                                                                                                                                                                                                                                      وأمنيته : قراءته . وإلقاء الشيطان فيها : أن يتكلم بذلك رافعا صوته بحيث ظن السامعون أنه من قراءة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد رد بأنه أيضا يخل بالوثوق بالقرآن ولا يندفع بقوله تعالى : "فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته" لأنه أيضا يحتمله . وفي الآية دلالة على جواز السهو من الأنبياء عليهم السلام وتطرق الوسوسة إليهم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية