الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يزال الذين كفروا في مرية أي : في شك وجدال منه أي : من القرآن ، وقيل : من الرسول صلى الله عليه وسلم ، والأول هو الأظهر بشهادة ما سبق من قوله تعالى : "ثم يحكم الله آياته" وقوله تعالى : "أنه الحق من ربك فيؤمنوا به" وما لحق من قوله تعالى : وكذبوا بآياتنا . وأما تجويز كون الضمير [ ص: 115 ] "لما ألقى الشيطان في أمنيته" فمما لا مساغ له ، لأن ذلك ليس من هناتهم التي تستمر إلى الأمد المذكور ، بل إنما هي مريتهم في شأن القرآن ولا يجدي حمل من على السببية دون الابتدائية لما أن مريتهم المستمرة ، كما أنها ليست مبتدأة من ذلك ليست ماشئة منه ضرورة أنها مستمرة منهم من لدن نزول القرآن الكريم .

                                                                                                                                                                                                                                      حتى تأتيهم الساعة أي : القيامة نفسها ، كما يؤذن به قوله تعالى : بغتة أي : فجاءة فإنها الموصوفة بالإتيان كذلك لا أشراطها ، وقيل : الموت . أو يأتيهم عذاب يوم عقيم أي : يوم لا يوم بعده ، كأن كل يوم يلد ما بعده من الأيام فما لا يوم بعده يكون عقيما ، والمراد به : الساعة أيضا ، كأنه قيل : أو يأتيهم عذابها فوضع ذلك موضع ضميرها لمزيد التهويل ولا سبيل إلى حمل الساعة على أشراطها لما عرفته ، وأما ما قيل من أن المراد : يوم حرب يقتلون فيه كيوم بدر سمي به لأن أولاد النساء يقتلون فيه فيصرن كأنهن عقم لم يلدن ، أو لأن المقاتلين أبناء الحرب فإذا قتلوا صارت عقيما ، أي : ثكلى ، فوصف اليوم بوصفها اتساعا أو لأنه لا خير لهم فيه ، ومنه الريح العقيم لما لم ينشئ مطرا ولم يلقح شجرا ، أو لأنه لا مثل له لقتال الملائكة عليهم السلام فيه فمما لا يساعده سياق النظم الكريم أصلا ، كيف لا وإن تخصيص الملك والتصرف الكلي فيه بالله عز وجل ثم بيان ما يقع فيه من حكمه تعالى بين الفريقين بالثواب والعذاب الأخرويين يقضي بأن المراد به : يوم القيامة قضاء بينا لا ريب فيه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية