الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 382 ] قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( ولا تصح الجمعة حتى يتقدمها خطبتان ; لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { صلوا كما رأيتموني أصلي } ولم يصل الجمعة إلا بخطبتين ، وروى ابن عمر قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة خطبتين ، يجلس بينهما } ولأن السلف قالوا : إنما قصرت الجمعة لأجل الخطبة ، فإذا لم يخطب رجع إلى الأصل ، ومن شرط الخطبة العدد الذي تنعقد به الجمعة لقوله تعالى - : { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله } والذكر الذي يفعل بعد النداء هو الخطبة ، ولأنه ذكر شرط في صحة الجمعة فشرط فيه العدد كتكبيرة الإحرام فإن خطب بالعدد ثم انفضوا وعادوا قبل الإحرام فإن لم يطل الفصل - صلى الجمعة ; لأنه ليس بأكثر من الصلاتين المجموعتين .

                                      ثم الفصل اليسير لا يمنع الجمع فكذلك لا يمنع الجمع بين الخطبة والصلاة .

                                      وإن طال الفصل قال الشافعي - رحمه الله : أحببت أن يبتدئ الخطبة ثم يصلي بعدها الجمعة ، فإن لم يفعل صلى الظهر ، واختلف أصحابنا فيه ، فقال أبو العباس : تجب إعادة الخطبة ، ثم يصلي [ بعدها ] الجمعة ; لأن الخطبة مع الصلاة كالصلاتين المجموعتين فكما لا يجوز الفصل الطويل بين الصلاتين لم يجز بين الخطبة والصلاة ، وما نقله المزني لا يعرف .

                                      وقال أبو إسحاق : يستحب أن يعيد الخطبة ; لأنه لا يأمن أن ينفضوا مرة أخرى ، فجعل ذلك عذرا في جواز البناء ، وأما الصلاة فإنها واجبة ; لأنه يقدر على فعلها ، فإن صلى بهم الظهر جاز بناء على أصله : إذا اجتمع أهل بلد على ترك الجمعة ، ثم صلوا الظهر أجزأهم ، وقال بعض أصحابنا : يستحب إعادة الخطبة والصلاة على ظاهر النص : لأنهم انفضوا عنه مرة فلا يأمن أن ينفضوا عنه ثانيا فصار ذلك عذرا في ترك الجمعة ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث { صلوا كما رأيتموني أصلي } رواه البخاري من رواية مالك بن الحويرث ، وسبق في صفة الصلاة ، وحديث ابن عمر رواه البخاري ومسلم .

                                      ( وقوله ) : ولأنه ذكر احتراز من ستر العورة وغيره من الشروط فإنه لا يشترط له العدد ، وقوله : شرط في صحة الجمعة احتراز من الأذان .

                                      ( أما الأحكام ) فمسألة الانفضاض إلى آخرها [ فقد سبق ] شرحها ، وبيان الاختلاف فيها في مسألة الانفضاض في الصلاة واتفقت نصوص الشافعي وطرق الأصحاب على أن الجمعة لا تصح حتى يتقدمها خطبتان ، ومن شرطها العدد ، وفرقوا بين الجمعة والعيد حيث كانت خطبة الجمعة قبلها ، والعيد [ ص: 383 ] بعده ; لأن خطبة الجمعة شرط لصحة الصلاة ، وشأن الشرط أن يقدم ، ولأن الجمعة فريضة فأخرت الصلاة ليدركها المتأخر ، وللتمييز بين الفرض والنفل ومن شرط الخطبتين كونهما في وقت الظهر .

                                      فلو خطب الخطبتين أو بعضهما قبل الزوال ثم صلى بعدهما لم يصح بلا خلاف عندنا ، نص عليه الشافعي ، واتفق عليه الأصحاب وجوزه مالك وأحمد ، وقد أهمل المصنف بيان هذا الشرط هنا ، وفي التنبيه .

                                      ( فرع ) في مذاهب العلماء في الخطبة قد ذكرنا أن مذهبنا أن تقدم خطبتين شرط لصحة الجمعة ، وأن من شرطها العدد الذي تنعقد به الجمعة ، وبهذه الجملة قال مالك وأحمد والجمهور ، وقال أبو حنيفة : الخطبة شرط ، ولكن تجزئ خطبة واحدة .

                                      ولا يشترط العدد لسماعها كالأذان .

                                      وحكى ابن المنذر عن الحسن البصري : أن الجمعة تصح بلا خطبة .

                                      وبه قال داود وعبد الملك من أصحاب مالك ، قال القاضي عياض : وروي عن مالك .

                                      دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم { صلوا كما رأيتموني أصلي } وثبتت صلاته صلى الله عليه وسلم بعد خطبتين .




                                      الخدمات العلمية