الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3250 ) فصل : والذي يصح أخذ الرهن به ، كل دين ثابت في الذمة يصح استيفاؤه من الرهن ، [ ص: 206 ] كأثمان البياعات ، والأجرة في الإجارات ، والمهر ، وعوض الخلع ، والقرض ، وأرش الجنايات ، وقيم المتلفات . ولا يجوز أخذ الرهن بما ليس بواجب ، ولا مآله إلى الوجوب ، كالدية على العاقلة قبل الحول ; لأنها لم تجب بعد ، ولا يعلم إفضاؤها إلى الوجوب ، فإنهم لو جنوا أو افتقروا أو ماتوا ، لم تجب عليهم ، فلم يصح أخذ الرهن بها .

                                                                                                                                            فأما بعد الحول ، فيجوز أخذ الرهن بها ; لأنها قد استقرت في ذمتهم . ويحتمل جواز أخذ الرهن بها قبل الحول ; لأن الأصل بقاء الحياة واليسار والعقل . ولا يجوز أخذ الرهن بالجعل في الجعالة قبل العمل ; لأنه لم يجب ، ولا يعلم إفضاؤه إلى الوجوب . وقال القاضي : يحتمل أخذ الرهن به ; لأن مآله إلى الوجوب واللزوم ، فأشبهت أثمان البياعات . والأولى أولى ; لأن إفضاءها إلى الوجوب محتمل ; فأشبهت الدية قبل الحول .

                                                                                                                                            ويجوز أخذ الرهن به بعد العمل ; لأنه قد وجب . ولا يجوز أخذ الرهن بمال الكتابة ; لأنه غير لازم ; فإن للعبد تعجيز نفسه ، ولا يمكن استيفاء دينه من الرهن ، لأنه لو عجز صار الرهن للسيد ، لأنه من جملة مال المكاتب .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : يجوز : ولنا ، أنها وثيقة لا يمكن استيفاء الحق منها ، فلم يصح ، كضمان الخمر ، ولا يجوز أخذ الرهن بعوض المسابقة ; لأنها جعلة ، ولم يعلم إفضاؤها إلى الوجوب ، لأن الوجوب ، إنما يثبت بسبق غير المخرج ، وهذا غير معلوم ولا مظنون . وقال بعض أصحابنا : فيها وجهان ، هل هي إجارة أو جعالة ؟ فإن قلنا : هي إجارة . جاز أخذ الرهن بعوضها . وقال القاضي : إن لم يكن فيها محلل فهي جعالة ، وإن كان فيها محلل فعلى وجهين . وهذا كله بعيد ; لأن الجعل ليس هو في مقابلة العمل ، بدليل أنه لا يستحقه إذا كان مسبوقا . وقد عمل العمل ، وإنما هو عوض عن السبق ، ولا تعلم القدرة عليه .

                                                                                                                                            ولأنه لا فائدة للجاعل فيه ، ولا هو مراد له ، وإذا لم تكن إجارة مع عدم المحلل ، فمع وجوده أولى ، لأن مستحق الجعل هو السابق ، وهو غير معين ، ولا يجوز استئجار رجل غير معين ، ثم لو كانت إجارة لكان عوضها غير واجب في الحال ، ولا يعلم إفضاؤه إلى الوجوب ولا يظن ، فلم يجز أخذ الرهن به كالجعل في رد الآبق واللقط ، ولا يجوز أخذ الرهن بعوض غير ثابت في الذمة ، كالثمن المعين ، والأجرة المعينة في الإجارة ، والمعقود عليه في الإجارة إذا كان منافع معينة ، مثل إجارة الدار ، والعبد المعين ، والجمل المعين ، مدة معلومة ، أو لحمل شيء معين إلى مكان معلوم ; لأن هذا حق تعلق بالعين لا بالذمة ، ولا يمكن استيفاؤه من الرهن ; لأن منفعة العين لا يمكن استيفاؤها من غيرها ، وتبطل الإجارة بتلف العين .

                                                                                                                                            وإن وقعت الإجارة على منفعة في الذمة ، كخياطة ثوب ، وبناء دار ، جاز أخذ الرهن به ; لأنه ثابت في الذمة ، ويمكن استيفاؤه من الرهن ، بأن يستأجر من ثمنه من يعمل ذلك العمل ، فجاز أخذ الرهن به ، كالدين . ومذهب الشافعي في هذا كله كما قلنا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية