الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                    ( أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون ( 83 ) )

                                                                                                                                                                                                    ( قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ( 84 ) ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ( 85 ) )

                                                                                                                                                                                                    يقول تعالى منكرا على من أراد دينا سوى دين الله ، الذي أنزل به كتبه وأرسل به رسله ، وهو عبادته وحده لا شريك له ، الذي ( له أسلم من في السماوات والأرض ) أي : استسلم له من فيهما طوعا وكرها ، كما قال تعالى : ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال ) [ الرعد : 15 ] وقال تعالى : ( أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون . ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون ) [ النحل : 48 - 50 ] .

                                                                                                                                                                                                    فالمؤمن مستسلم بقلبه وقالبه لله ، والكافر مستسلم لله كرها ، فإنه تحت التسخير والقهر والسلطان العظيم ، الذي لا يخالف ولا يمانع . وقد ورد حديث في تفسير هذه الآية ، على معنى آخر فيه غرابة ، فقال الحافظ أبو القاسم الطبراني :

                                                                                                                                                                                                    حدثنا أحمد بن النضر العسكري ، حدثنا سعيد بن حفص النفيلي ، حدثنا محمد بن محصن العكاشي ، حدثنا الأوزاعي ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها ) أما من في السماوات فالملائكة ، وأما من في الأرض فمن ولد على الإسلام ، وأما كرها فمن أتي به من سبايا الأمم في السلاسل والأغلال ، يقادون إلى الجنة وهم كارهون " .

                                                                                                                                                                                                    وقد ورد في الصحيح : " عجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل " وسيأتي له شاهد من وجه آخر ولكن المعنى الأول للآية أقوى .

                                                                                                                                                                                                    وقد قال وكيع في تفسيره : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد : ( وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها ) قال : هو كقوله : ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ) [ لقمان : 25 ] .

                                                                                                                                                                                                    وقال أيضا : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : ( وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها ) قال : حين أخذ الميثاق .

                                                                                                                                                                                                    [ ص: 70 ] ( وإليه يرجعون ) أي : يوم المعاد ، فيجازي كلا بعمله .

                                                                                                                                                                                                    ثم قال تعالى : ( قل آمنا بالله وما أنزل علينا ) يعني : القرآن ( وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ) أي : من الصحف والوحي : ( والأسباط ) وهم بطون بني إسرائيل المتشعبة من أولاد إسرائيل - هو يعقوب - الاثني عشر . ( وما أوتي موسى وعيسى ) يعني : بذلك التوراة والإنجيل ( والنبيون من ربهم ) وهذا يعم جميع الأنبياء جملة ( لا نفرق بين أحد منهم ) يعني : بل نؤمن بجميعهم ( ونحن له مسلمون ) فالمؤمنون من هذه الأمة يؤمنون بكل نبي أرسل ، وبكل كتاب أنزل ، لا يكفرون بشيء من ذلك بل هم مصدقون بما أنزل من عند الله ، وبكل نبي بعثه الله .

                                                                                                                                                                                                    ثم قال تعالى : ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ) أي : من سلك طريقا سوى ما شرعه الله فلن يقبل منه ( وهو في الآخرة من الخاسرين ) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " .

                                                                                                                                                                                                    وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ، حدثنا عباد بن راشد ، حدثنا الحسن ، حدثنا أبو هريرة ، إذ ذاك ونحن بالمدينة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تجيء الأعمال يوم القيامة ، فتجيء الصلاة فتقول : يا رب ، أنا الصلاة . فيقول : إنك على خير . فتجيء الصدقة فتقول : يا رب ، أنا الصدقة . فيقول : إنك على خير . ثم يجيء الصيام فيقول : أي يا رب ، أنا الصيام . فيقول : إنك على خير . ثم تجيء الأعمال ، كل ذلك يقول الله تعالى : إنك على خير ، ثم يجيء الإسلام فيقول : يا رب ، أنت السلام وأنا الإسلام . فيقول الله [ تعالى ] : إنك على خير ، بك اليوم آخذ وبك أعطي ، قال الله في كتابه : ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) .

                                                                                                                                                                                                    تفرد به أحمد . قال أبو عبد الرحمن عبد الله بن الإمام أحمد : عباد بن راشد ثقة ، ولكن الحسن لم يسمع من أبي هريرة .

                                                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية