الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 268 ] باب ما يذكر فيمن قال : هو يهودي أو نصراني إن فعل كذا

                                                                                                                                            3830 - ( عن ثابت بن الضحاك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال : { من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذبا فهو كما قال } رواه الجماعة إلا أبا داود ) .

                                                                                                                                            3831 - ( وعن بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من قال إني بريء من الإسلام ، فإن كان كاذبا فهو كما قال : وإن كان صادقا لم يعد إلى الإسلام سالما } رواه أحمد والنسائي وابن ماجه ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث بريدة هو من طريق الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه وقد صححه النسائي قوله : ( بملة غير الإسلام ) الملة بكسر الميم وتشديد اللام : الدين والشريعة ، وهي نكرة في سياق الشرط فتعم جميع الملل من أهل الكتاب كاليهودية والنصرانية ونحوهم من المجوسية والصابئة وأهل الأوثان والدهرية والمعطلة وعبدة الشياطين والملائكة وغيرهم

                                                                                                                                            قال ابن المنذر : اختلف فيمن قال : أكفر بالله ونحوه إن فعلت ثم فعل ، فقال ابن عباس وأبو هريرة وعطاء وقتادة وجمهور فقهاء الأمصار : لا كفارة عليه ولا يكون كافرا إلا إن أضمر ذلك بقلبه . وقال الأوزاعي والثوري والحنفية وأحمد وإسحاق هو يمين وعليه الكفارة

                                                                                                                                            قال ابن المنذر : والأول أصح لقوله صلى الله عليه وسلم : { من حلف باللات والعزى فليقل : لا إله إلا الله } ولم يذكر كفارة ، زاد غيره : وكذا قال : { من حلف بملة سوى الإسلام فهو كما قال } فأراد التغليظ في ذلك حتى لا يجترئ أحد عليه . ونقل ابن القصار من المالكية عن الحنفية أنهم احتجوا لإيجاب الكفارة بأن في اليمين الامتناع من الفعل وتضمن كلامه بما ذكر تعظيما للإسلام . وتعقب ذلك بأنهم قالوا فيمن قال وحق الإسلام إذا حنث لا يجب عليه كفارة ، فأسقطوا الكفارة إذا صرح بتعظيم الإسلام ، وأثبتوها إذا لم يصرح .

                                                                                                                                            قال ابن دقيق العيد : الحلف بالشيء حقيقة هو القسم به وإدخال بعض حروف القسم عليه كقوله والله ، وقد يطلق على التعليق بالشيء يمين كقولهم " من حلف بالطلاق فالمراد تعليق الطلاق ، وأطلق عليه الحالف لمشابهته لليمين في اقتضاء الحنث أو المنع

                                                                                                                                            وإذا تقرر ذلك فيحتمل أن يكون المراد المعنى الثاني لقوله كاذبا ، والكذب يدخل القضية الإخبارية التي يقع مقتضاها تارة ولا يقع أخرى ، وهذا بخلاف قولنا والله وما أشبهه فليس الإخبار بها عن أمر خارجي بل هي لإنشاء القسم فتكون صورة الحلف هنا على وجهين : [ ص: 269 ] أحدهما : أن تتعلق بالمستقبل كقوله إن فعل كذا فهو يهودي . والثاني : تتعلق بالماضي كقوله إن كان كاذبا فهو يهودي . وقد يتعلق بهذا من لم ير فيه الكفارة لكونه لم يذكر فيه كفارة ، بل جعل المرتب على كذبه قوله : فهو كما قال

                                                                                                                                            قال : ولا يكفر في صورة الماضي إلا إن قصد التعظيم ، وفيه خلاف عند الحنفية لكونه تنجيزا معنى فصار كما لو قال هو يهودي . ومنهم من قال : إذا كان لا يعلم أنه يمين لم يكفر ، وإن كان يعلم أنه يكفر بالحنث به كفر لكونه رضي بالكفر حيث أقدم على الفعل

                                                                                                                                            وقال بعض الشافعية : ظاهر الحديث أنه يحكم عليه بالكفر إذا كان كاذبا ، والتحقيق : التفصيل ، فإن اعتقد تعظيم ما ذكر كفر ، وإن قصد حقيقة التعليق فينظر ، فإن كان أراد أن يكون متصفا بذلك كفر لأن إرادة الكفر كفر وإن أراد البعد عن ذلك لم يكفر لكن هل يحرم عليه ذلك أو يكره تنزيها ؟

                                                                                                                                            الثاني هو المشهور قوله : ( كاذبا ) زاد في البخاري ومسلم " متعمدا " قال عياض : تفرد بهذه الزيادة سفيان الثوري وهي زيادة حسنة يستفاد منها أن الحالف متعمدا إن كان مطمئن القلب بالإيمان وهو كاذب في تعظيم ما لا يعتقد تعظيمه لم يكفر ، وإن قاله معتقدا لليمين بتلك الملة لكونها حقا كفر ، وإن قالها لمجرد التعظيم لها احتمل

                                                                                                                                            قال الحافظ : وينقدح بأن يقال : إن أراد تعظيمها باعتبار ما كانت قبل النسخ لم يكفر أيضا . قال : ودعواه أن سفيان تفرد بها ، إن أراد بالنسبة إلى رواية مسلم فعسى فإنه أخرجها من طريق شعبة عن أيوب وسفيان عن خالد الحذاء جميعا عن أبي قلابة قوله : ( في الحديث الآخر فهو كما قال )

                                                                                                                                            قال في الفتح : يحتمل أن يكون المراد بهذا الكلام التهديد والمبالغة في الوعيد لا الحكم كأن قال فهو مستحق مثل عذاب من اعتقد ما قال ، ونظيره { من ترك الصلاة فقد كفر } أي استوجب عقوبة من كفر . وقال ابن المنذر : ليس على إطلاقه في نسبته إلى الكفر ، بل المراد أنه كاذب كذب المعظم لتلك الجهة




                                                                                                                                            الخدمات العلمية