الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ أول ]

                                                          أول : الأول : الرجوع . آل الشيء يئول أولا ومآلا : رجع . وأول إليه الشيء : رجعه . وألت عن الشيء : ارتددت . وفي الحديث : من صام الدهر فلا صام ولا آل أي لا رجع إلى خير ، والأول الرجوع . وفي حديث خزيمة السلمي : حتى آل السلامى أي رجع إليه المخ . ويقال : طبخت النبيذ حتى آل إلى الثلث أو الربع أي رجع ؛ وأنشد الباهلي لهشام :


                                                          حتى إذا أمعروا صفقي مباءتهم وجرد الخطب أثباج الجراثيم     آلوا الجمال هراميل العفاء بها
                                                          على المناكب ريع غير مجلوم

                                                          قوله آلوا الجمال : ردوها ليرتحلوا عليها . والإيل والأيل : من الوحش ، وقيل هو الوعل ؛ قال الفارسي : سمي بذلك لمآله إلى الجبل يتحصن فيه ؛ قال ابن سيده : فإيل وأيل على هذا فعيل وفعيل ، وحكى الطوسي عن ابن الأعرابي : أيل كسيد من تذكرة أبي علي . الليث : الأيل الذكر من الأوعال ، والجمع الأيايل ؛ وأنشد :


                                                          كأن في أذنابهن الشول     من عبس الصيف قرون الإيل

                                                          ، وقيل : فيه ثلاث لغات : إيل وأيل وأيل على مثال فعل ، والوجه الكسر ، والأنثى إيلة ، وهو الأروى . وأول الكلام وتأوله : دبره ، وقدره ، وأوله وتأوله : فسره . وقوله عز وجل : ولما يأتهم تأويله ؛ أي لم يكن معهم علم تأويله ، وهذا دليل على أن علم التأويل ينبغي أن ينظر فيه ، وقيل : معناه لم يأتهم ما يئول إليه أمرهم في التكذيب به [ ص: 194 ] من العقوبة ودليل هذا قوله تعالى : كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين . وفي حديث ابن عباس : اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ؛ قال ابن الأثير : هو من آل الشيء يئول إلى كذا أي رجع وصار إليه والمراد بالتأويل نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأصلي إلى ما يحتاج إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ ؛ ومنه حديث عائشة رضي الله عنها : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده : سبحانك اللهم ربنا وبحمدك يتأول القرآن ، تعني أنه مأخوذ من قوله تعالى : فسبح بحمد ربك واستغفره . وفي حديث الزهري قال : قلت لعروة ما بال عائشة تتم في السفر يعني الصلاة ؟ قال : تأولت كما تأول عثمان ؛ أراد بتأويل عثمان ما روي عنه أنه أتم الصلاة بمكة في الحج ، وذلك أنه نوى الإقامة بها . التهذيب : وأما التأويل فهو تفعيل من أول يؤول تأويلا ، وثلاثيه آل يئول أي رجع وعاد . وسئل أبو العباس أحمد بن يحيى عن التأويل فقال : التأويل والمعنى والتفسير واحد . قال أبو منصور : يقال ألت الشيء أؤوله إذا جمعته وأصلحته فكان التأويل جمع معاني ألفاظ أشكلت بلفظ واضح لا إشكال فيه . وقال بعض العرب : أول الله عليك أمرك أي جمعه ، وإذا دعوا عليه قالوا : لا أول الله عليك شملك . ويقال في الدعاء للمضل : أول الله عليك أي رد عليك ضالتك وجمعها لك . ويقال : تأولت في فلان الأجر إذا تحريته وطلبته . الليث : التأول والتأويل تفسير الكلام الذي تختلف معانيه ولا يصح إلا ببيان غير لفظه ؛ وأنشد :


                                                          نحن ضربناكم على تنزيله     فاليوم نضربكم على تأويله

                                                          وأما قول الله عز وجل : هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله ؛ فقال أبو إسحاق : معناه هل ينظرون إلا ما يئول إليه أمرهم من البعث ، قال : وهذا التأويل هو قوله تعالى : وما يعلم تأويله إلا الله ؛ أي لا يعلم متى يكون أمر البعث وما يئول إليه الأمر عند قيام الساعة إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به أي آمنا بالبعث - والله أعلم - قال أبو منصور : وهذا حسن ، وقال غيره : أعلم الله جل ذكره أن في الكتاب الذي أنزله آيات محكمات هن أم الكتاب لا تشابه فيه فهو مفهوم معلوم ، وأنزل آيات أخر متشابهات تكلم فيها العلماء مجتهدين ، وهم يعلمون أن اليقين الذي هو الصواب لا يعلمه إلا الله ، وذلك مثل المشكلات التي اختلف المتأولون في تأويلها وتكلم فيها من تكلم ما أداه الاجتهاد إليه ؛ قال : وإلى هذا مال ابن الأنباري . وروي عن مجاهد : هل ينظرون إلا تأويله ، قال : جزاءه . يوم يأتي تأويله ، قال : جزاؤه ، وقال أبو عبيد في قوله : وما يعلم تأويله إلا الله ، قال : التأويل المرجع والمصير مأخوذ من آل يئول إلى كذا أي صار إليه . وأولته : صيرته إليه . الجوهري : التأويل تفسير ما يئول إليه الشيء ، وقد أولته تأويلا وتأولته بمعنى ؛ ومنه قول الأعشى :


                                                          على أنها كانت ، تأول حبها     تأول ربعي السقاب ، فأصحبا

                                                          قال أبو عبيدة : تأول حبها أي تفسيره ومرجعه أي أن حبها كان صغيرا في قلبه فلم يزل يثبت حتى أصحب فصار قديما كهذا السقب الصغير لم يزل يشب حتى صار كبيرا مثل أمه وصار له ابن يصحبه . والتأويل : عبارة الرؤيا . وفي التنزيل العزيز : هذا تأويل رؤياي من قبل . وآل ماله يئوله إيالة إذا أصلحه وساسه . والائتيال : الإصلاح والسياسة ، قال ابن بري : ومنه قول عامر بن جوين :


                                                          ككرفئة الغيث ، ذات الصبي     ر ، تأتي السحاب وتأتالها

                                                          وفي حديث الأحنف : قد بلونا فلانا فلم نجد عنده إيالة للملك ، والإيالة السياسة ، فلان حسن الإيالة ؛ وقول لبيد :


                                                          بصبوح صافية ، وجذب كرينة     بمؤتر تأتاله ، إبهامها

                                                          قيل هو تفتعله من ألت أي أصلحت ، كما تقول تقتاله من قلت ، أي تصلحه إبهامها ؛ قال ابن سيده : معناه تصلحه ، وقيل : معناه ترجع إليه وتعطف عليه ، ومن روى تأتاله ، فإنه أراد تأتوي ، من قولك أويت إلى الشيء رجعت إليه ، فكان ينبغي أن تصح الواو ، ولكنهم أعلوه بحذف اللام ووقعت العين موقع اللام فلحقها من الإعلال ما كان يلحق اللام . قال أبو منصور : وقوله ألنا وإيل علينا أي سسنا وساسونا . والأول : بلوغ طيب الدهن بالعلاج . وآل الدهن والقطران والبول والعسل يئول أولا وإيالا : خثر ؛ قال الراجز :


                                                          كأن صابا آل حتى امطلا

                                                          أي خثر حتى امتد ؛ وأنشد ابن بري لذي الرمة :


                                                          عصارة جزء آل ، حتى كأنما     يلاق بجادي ظهور العراقب

                                                          وأنشد لآخر :


                                                          ومن آيل كالورس نضحا كسونه     متون الصفا ، من مضمحل وناقع

                                                          التهذيب : ويقال لأبوال الإبل التي جزأت بالرطب في آخر جزئها : قد آلت تئول أولا إذا خثرت فهي آيلة ؛ وأنشد لذي الرمة :


                                                          ومن آيل كالورس نضح سكوبه     متون الحصى ، من مضمحل ويابس

                                                          وآل اللبن إيالا : تخثر فاجتمع بعضه إلى بعض ، وألته أنا . وألبان أيل ؛ عن ابن جني ، قال ابن سيده : وهذا عزيز من وجهين : أحدهما أن تجمع صفة غير الحيوان على فعل وإن كان قد جاء منه نحو : عيدان قيس ، ولكنه نادر ، والآخر أنه يلزم في جمعه أول لأنه من الواو بدليل آل أولا ، لكن الواو لما قربت من الطرف احتملت الإعلال كما قالوا نيم وصيم . والإيال : وعاء اللبن . الليث : الإيال ، على فعال ، وعاء يؤال فيه شراب أو عصير أو نحو ذلك . يقال : ألت الشراب أؤوله أولا ؛ وأنشد :


                                                          ففت الختام ، وقد أزمنت [ ص: 195 ]     وأحدث بعد إيال إيالا

                                                          قال أبو منصور : والذي نعرفه أن يقال آل الشراب إذا خثر وانتهى بلوغه ومنتهاه من الإسكار ؛ قال : فلا يقال ألت الشراب . والإيال : مصدر آل يئول أولا وإيالا ، والآيل : اللبن الخاثر ، والجمع أيل مثل قارح وقرح وحائل وحول ؛ ومنه قول الفرزدق :


                                                          وكأن خاثره إذا ارتثئوا به     عسل لهم ، حلبت عليه الأيل

                                                          ، وهو يسمن ويغلم ؛ وقال النابغة الجعدي يهجو ليلى الأخيلية :


                                                          وبرذونة بل البراذين ثغرها     وقد شربت من آخر الصيف أيلا

                                                          قال ابن بري : صواب إنشاده : بريذينة بالرفع والتصغير دون واو ، لأن قبله :


                                                          ألا يا ازجرا ليلى وقولا لها : هلا     وقد ركبت أمرا أغر محجلا

                                                          ، وقال أبو الهيثم عند قوله شربت ألبان الأيايل قال : هذا محال ، ومن أين توجد ألبان الأيايل ؟ قال : والرواية ، وقد شربت من آخر الليل أيلا ، وهو اللبن الخاثر من آل إذا خثر . قال أبو عمرو : أيل ألبان الأيايل ، وقال أبو منصور : هو البول الخاثر بالنصب من أبوال الأروية إذا شربته المرأة اغتلمت . وقال ابن شميل : الأيل هو ذو القرن الأشعث الضخم مثل الثور الأهلي . ابن سيده : والأيل بقية اللبن الخاثر ، وقيل : الماء في الرحم ، قال : فأما ما أنشده ابن حبيب من قول النابغة :


                                                          وقد شربت في آخر الليل إيلا

                                                          فزعم ابن حبيب أنه أراد لبن إيل ، وزعموا أنه يغلم ويسمن ، قال : ويروى أيلا بالضم ، قال : وهو خطأ لأنه يلزم من هذا أولا . قال أبو الحسن : وقد أخطأ ابن حبيب لأن سيبويه يرى البدل في مثل هذا مطردا ؛ قال : ولعمري إن الصحيح عنده أقوى من البدل ، وقد وهم ابن حبيب أيضا في قوله إن الرواية مردودة من وجه آخر ، لأن أيلا في هذه الرواية مثلها في إيلا ، فيريد لبن أيل كما ذهب إليه في إيل ، وذلك أن الأيل لغة في الإيل ، فإيل كحثيل وأيل كعليب ، فلم يعرف ابن حبيب هذه اللغة . قال : وذهب بعضهم إلى أن أيلا في هذا البيت جمع إيل ، وقد أخطأ من ظن ذلك لأن سيبويه لا يرى تكسير فعل على فعل ولا حكاه أحد ، لكنه قد يجوز أن يكون اسما للجمع ؛ قال وعلى هذا وجهت أنا قول المتنبي :

                                                          وقيدت الأيل في الحبال     طوع وهوق الخيل والرجال

                                                          غيره : والأيل الذكر من الأوعال ، ويقال للذي يسمى بالفارسية كوزن ، وكذلك الإيل ، بكسر الهمزة ، قال ابن بري : هو الأيل ، بفتح الهمزة وكسر الياء ، قال الخليل : وإنما سمي أيلا لأنه يئول إلى الجبال ، والجمع إيل وأيل وأيايل ، والواحد أيل مثل سيد وميت ، قال : وقال أبو جعفر محمد بن حبيب موافقا لهذا القول الإيل جمع أيل ، بفتح الهمزة ؛ قال وهذا هو الصحيح بدليل قول جرير :

                                                          أجعثن ، قد لاقيت عمران شاربا     عن الحبة الخضراء ألبان إيل

                                                          ولو كان إيل واحدا لقال لبن إيل ؛ قال : ويدل على أن واحد إيل أيل ، بالفتح ، قول الجعدي :


                                                          وقد شربت من آخر الليل أيلا

                                                          قال : وهذه الرواية الصحيحة ، قال : تقديره لبن أيل لأن ألبان الإيل إذا شربتها الخيل اغتلمت . أبو حاتم : الآيل مثل العائل اللبن المختلط الخاثر الذي لم يفرط في الخثورة ، وقد خثر شيئا صالحا ، وقد تغير طعمه إلى الحمض شيئا ولا كل ذلك . يقال : آل يئول أولا وأوولا ، وقد ألته أي صببت بعضه على بعض حتى آل وطاب وخثر . وآل : رجع ، يقال : طبخت الشراب فآل إلى قدر كذا وكذا أي رجع : وآل الشيء مآلا ، نقص كقولهم حار محارا . وألت الشيء أولا وإيالا : أصلحته وسسته . وإنه لآيل مال وأيل مال : أي حسن القيام عليه . أبو الهيثم : فلان آيل مال وعائس مال ومراقح مال وإزاء مال وسربال مال إذا كان حسن القيام عليه والسياسة له ، قال : وكذلك خال مال وخائل مال . والإيالة : السياسة . وآل عليهم أولا وإيالا وإيالة : ولي . وفي المثل : قد ألنا وإيل علينا ، يقول : ولينا وولي علينا ، ونسب ابن بري هذا القول إلى عمر ، وقال : معناه أي سسنا وسيس علينا ، قال الشاعر :


                                                          أبا مالك فانظر فإنك حالب     صرى الحرب فانظر أي أول تئولها

                                                          وآل الملك رعيته يئولها أولا وإيالا : ساسهم وأحسن سياستهم وولي عليهم . وألت الإبل أيلا وإيالا : سقتها . التهذيب : وألت الإبل صررتها فإذا بلغت إلى الحلب حلبتها . والآل : ما أشرف من البعير . والآل : السراب ، وقيل : الآل هو الذي يكون ضحى كالماء بين السماء والأرض يرفع الشخوص ويزهاها فأما السراب فهو الذي يكون نصف النهار لاطئا بالأرض كأنه ماء جار ، وقال ثعلب : الآل في أول النهار ؛ وأنشد :


                                                          إذ يرفع الآل رأس الكلب فارتفعا

                                                          ، وقال اللحياني : السراب يذكر ويؤنث ؛ وفي حديث قس بن ساعدة :

                                                          قطعت مهمها وآلا فآلا الآل : السراب ، والمهمه : الفقر . الأصمعي : الآل والسراب واحد ، وخالفه غيره ، فقال : الآل من الضحى إلى زوال الشمس ، والسراب بعد الزوال إلى صلاة العصر ، واحتجوا بأن الآل يرفع كل شيء حتى يصير آلا أي شخصا ، وآل كل شيء : شخصه ، وأن السراب يخفض كل شيء فيه حتى يصير لاصقا بالأرض لا شخص له ؛ وقال يونس : تقول العرب : الآل مذ غدوة إلى ارتفاع الضحى الأعلى ، ثم هو سراب سائر اليوم ؛ وقال ابن السكيت : الآل الذي يرفع الشخوص ، وهو يكون بالضحى ، والسراب الذي يجري على وجه الأرض كأنه الماء ؛ وهو نصف النهار ، قال الأزهري : وهو الذي رأيت العرب بالبادية [ ص: 196 ] يقولونه . الجوهري : الآل الذي تراه في أول النهار وآخره كأنه يرفع الشخوص وليس هو السراب ؛ قال الجعدي :


                                                          حتى لحقنا بهم تعدي فوارسنا     كأننا رعن قف يرفع الآلا

                                                          أراد يرفعه الآل فقلبه ، قال ابن سيده : وجه كون الفاعل فيه مرفوعا والمفعول منصوبا باسم : صحيح مقول به ، وذلك أن رعن هذا القف لما رفعه الآل فرئي فيه ، ظهر به الآل إلى مرآة العين ظهورا لولا هذا الرعن لم يبن للعين بيانه إذا كان فيه ، ألا ترى أن الآل إذا برق للبصر رافعا شخصه كان أبدى للناظر إليه منه لو لم يلاق شخصا يزهاه فيزداد بالصورة التي حملها سفورا ، وفي مسرح الطرف تجليا وظهورا ؟ فإن قلت : فقد قال الأعشى :


                                                          إذ يرفع الآل رأس الكلب فارتفعا

                                                          فجعل الآل هو الفاعل ، والشخص هو المفعول ، قيل : ليس في هذا أكثر من أن هذا جائز ، وليس فيه دليل على أن غيره ليس بجائز ، ألا ترى أنك إذا قلت ما جاءني غير زيد فإنما في هذا دليل على أن الذي هو غيره لم يأتك ، فأما زيد نفسه فلم يعرض للإخبار بإثبات مجيء له أو نفيه عنه ، فقد يجوز أن يكون قد جاء وأن يكون أيضا لم يجئ ؟ والآل : الخشب المجرد ؛ ومنه قوله :


                                                          آل على آل تحمل آلا

                                                          فالآل الأول : الرجل ، والثاني السراب ، والثالث الخشب ؛ وقول أبي دواد :


                                                          عرفت لها منزلا دارسا     وآلا على الماء يحملن آلا

                                                          فالآل الأول عيدان الخيمة ، والثاني الشخص ؛ قال : وقد يكون الآل بمعنى السراب ؛ وقال ذو الرمة :


                                                          تبطنتها والقيظ ، ما بين جالها     إلى جالها ستر من الآل ناصح

                                                          ، وقال النابغة :


                                                          كأن حدوجها في الآل ظهرا     إذا أفزعن من نشر ، سفين

                                                          قال ابن بري : فقوله ظهرا يقضي بأنه السراب ، وقول أبي ذؤيب :


                                                          وأشعث في الدار ذي لمة     لدى آل خيم نفاه الأتي

                                                          قيل : الآل هنا الخشب . وآل الجبل : أطرافه ونواحيه . وآل الرجل : أهله وعياله ، فإما أن تكون الألف منقلبة عن واو ، وإما أن تكون بدلا من الهاء ، وتصغيره أويل وأهيل ، وقد يكون ذلك لما لا يعقل ؛ قال الفرزدق :


                                                          نجوت ، ولم يمنن عليك طلاقة     سوى ربة التقريب من آل أعوجا

                                                          والآل : آل النبي - صلى الله عليه وسلم - . قال أبو العباس أحمد بن يحيى : اختلف الناس في الآل فقالت طائفة : آل النبي - صلى الله عليه وسلم - من اتبعه قرابة كانت أو غير قرابة ، وآله ذو قرابته متبعا أو غير متبع ؛ وقالت طائفة : الآل والأهل واحد ، واحتجوا بأن الآل إذا صغر قيل أهيل ، فكأن الهمزة هاء كقولهم هنرت الثوب ، وأنرته إذا جعلت له علما ؛ قال : وروى الفراء عن الكسائي في تصغير آل أويل ؛ قال أبو العباس : فقد زالت تلك العلة وصار الآل والأهل أصلين لمعنيين فيدخل في الصلاة كل من اتبع النبي - صلى الله عليه وسلم - قرابة كان أو غير قرابة ؛ وروي عن غيره أنه سئل عن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد من آل محمد ؟ فقال : قال قائل آله أهله وأزواجه ، كأنه ذهب إلى أن الرجل تقول له ألك أهل ؟ فيقول : لا ، وإنما يعني أنه ليس له زوجة ، قال : وهذا معنى يحتمله اللسان ولكنه معنى كلام لا يعرف إلا أن يكون له سبب كلام يدل عليه ، وذلك أن يقال للرجل : تزوجت ؟ فيقول : ما تأهلت ، فيعرف بأول الكلام أنه أراد ما تزوجت ، أو يقول الرجل أجنبت من أهلي فيعرف أن الجنابة إنما تكون من الزوجة ، فأما أن يبدأ الرجل فيقول أهلي ببلد كذا فأنا أزور أهلي وأنا كريم الأهل ، فإنما يذهب الناس في هذا إلى أهل البيت ، قال : وقال قائل : آل محمد أهل دين محمد ، قال : ومن ذهب إلى هذا أشبه أن يقول قال الله لنوح : احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك ، وقال نوح : رب إن ابني من أهلي ، فقال تبارك وتعالى : إنه ليس من أهلك ، أي ليس من دينك ؛ قال : والذي يذهب إليه في معنى هذه الآية أن معناه أنه ليس من أهلك الذي أمرناك بحملهم معك ، فإن قال قائل : وما دل على ذلك ؟ قيل قول الله تعالى : وأهلك إلا من سبق عليه القول ، فأعلمه أنه أمره بأن يحمل من أهله من لم يسبق عليه القول من أهل المعاصي ، ثم بين ذلك فقال : إنه عمل غير صالح ، قال : وذهب ناس إلى أن آل محمد قرابته التي ينفرد بها دون غيرها من قرابته ، وإذا عد آل الرجل ولده الذين إليه نسبهم ، ومن يئويه بيته من زوجة أو مملوك أو مولى أو أحد ضمه عياله وكان هذا في بعض قرابته من قبل أبيه دون قرابته من قبل أمه ، لم يجز أن يستدل على ما أراد الله من هذا ثم رسوله إلا بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما قال : إن الصدقة لا تحل لمحمد وآل محمد دل على أن آل محمد هم الذين حرمت عليهم الصدقة وعوضوا منها الخمس ، وهي صليبة بني هاشم وبني المطلب ، وهم الذين اصطفاهم الله من خلقه بعد نبيه - صلوات الله عليه وعليهم أجمعين - . وفي الحديث : لا تحل الصدقة لمحمد وآل محمد ؛ قال ابن الأثير : واختلف في آل النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين لا تحل الصدقة لهم ، فالأكثر على أنهم أهل بيته ؛ قال الشافعي : دل هذا الحديث أن آل محمد هم الذين حرمت عليهم الصدقة ، وعوضوا منها الخمس ، وقيل : آله أصحابه ، ومن آمن به ، وهو في اللغة يقع على الجميع . وقوله في الحديث : لقد أعطي مزمارا من مزامير آل داود ، أراد من مزامير داود نفسه . والآل : صلة زائدة . وآل الرجل أيضا : أتباعه ؛ قال الأعشى :


                                                          فكذبوها بما قالت فصبحهم     ذو آل حسان يزجي السم والسلعا

                                                          [ ص: 197 ] يعني جيش تبع ، ومنه قوله عز وجل : أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ، . التهذيب : شمر قال أبو عدنان قال لي من لا أحصي من أعراب قيس وتميم : إيلة الرجل بنو عمه الأدنون . وقال بعضهم : من أطاف بالرجل وحل معه من قرابته وعترته فهو إيلته ؛ وقال العكلي : وهو من إيلتنا أي من عترتنا . ابن بزرج : إلة الرجل الذين يئل إليهم ، وهم أهله دنيا . وهؤلاء إلتك ، وهم إلتي الذين وألت إليهم . قالوا : رددته إلى إلته أي إلى أصله ؛ وأنشد :


                                                          ولم يكن في إلتي عوالا

                                                          يريد أهل بيته ، قال : وهذا من نوادره ؛ قال أبو منصور : أما إلة الرجل فهم أهل بيته الذين يئل إليهم أي يلجأ إليهم . والآل : الشخص ، وهو معنى قول أبي ذؤيب :


                                                          يمانية أحيا لها مظ مائد     وآل قراس صوب أرمية كحل

                                                          يعني ما حول هذا الموضع من النبات ، وقد يجوز أن يكون الآل الذي هو الأهل . وآل الخيمة : عمدها . الجوهري : الآلة ، واحدة الآل والآلات ، وهي خشبات تبنى عليها الخيمة ، ومنه قول كثير يصف ناقة ويشبه قوائمها بها :


                                                          وتعرف إن ضلت فتهدى لربها     لموضع آلات من الطلح أربع

                                                          والآلة : الشدة . والآلة : الأداة ، والجمع الآلات . والآلة : ما اعتملت به من الأداة يكون واحدا وجمعا ، وقيل : هو جمع لا واحد له من لفظه . وقول علي - عليه السلام - : تستعمل آلة الدين في طلب الدنيا ؛ إنما يعني به العلم لأن الدين إنما يقوم بالعلم . والآلة : الحالة ، والجمع الآل . يقال : هو بآلة سوء ؛ قال الراجز :


                                                          قد أركب الآلة بعد الآله     وأترك العاجز بالجداله

                                                          والآلة : الجنازة . والآلة : سرير الميت ؛ هذه عن أبي العميثل ؛ وبها فسر قول كعب بن زهير :


                                                          كل ابن أنثى ، وإن طالت سلامته     يوما على آلة حدباء محمول

                                                          التهذيب : آل فلان من فلان أي وأل منه ونجا ، وهي لغة الأنصار ، يقولون : رجل آيل مكان وائل ؛ وأنشد بعضهم :


                                                          يلوذ بشؤبوب من الشمس فوقها     كما آل من حر النهار طريد

                                                          وآل لحم الناقة إذا ذهب فضمرت ؛ قال الأعشى :


                                                          أذللتها بعد المرا     ح ، فآل من أصلابها



                                                          أي ذهب لحم صلبها . والتأويل : بقلة ثمرتها في قرون كقرون الكباش ، وهي شبيهة بالقفعاء ذات غصنة وورق ، وثمرتها يكرهها المال ، وورقها يشبه ورق الآس ، وهي طيبة الريح ، وهو من باب التنبيت ، واحدته تأويلة . وروى المنذري عن أبي الهيثم قال : إنما طعام فلان القفعاء والتأويل ، قال : والتأويل نبت يعتلفه الحمار ، والقفعاء شجرة لها شوك ، وإنما يضرب هذا المثل للرجل إذا استبلد فهمه وشبه بالحمار في ضعف عقله . وقال أبو سعيد : العرب تقول أنت في ضحائك بين القفعاء والتأويل ، وهما نبتان محمودان من مراعي البهائم ، فإذا أرادوا أن ينسبوا الرجل إلى أنه بهيمة إلا أنه مخصب موسع عليه ضربوا له هذا المثل ؛ وأنشد غيره لأبي وجزة السعدي :


                                                          عزب المراتع نظار أطاع له     من كل رابية ، مكر وتأويل

                                                          أطاع له : نبت له كقولك أطاع له الوراق ، قال : ورأيت في تفسيره أن التأويل اسم بقلة تولع بقر الوحش ، تنبت في الرمل ؛ قال أبو منصور : والمكر والقفعاء قد عرفتهما ورأيتهما ، قال : وأما التأويل فإني ما سمعته إلا في شعر أبي وجزة هذا وقد عرفه أبو الهيثم وأبو سعيد . وأول : موضع ؛ أنشد ابن الأعرابي :


                                                          أيا نخلتي أول ، سقى الأصل منكما     مفيض الربى ، والمدجنات ذراكما

                                                          وأوال ، وأوال : قرية ، وقيل اسم موضع مما يلي الشام ؛ قال النابغة الجعدي : أنشده سيبويه :


                                                          ملك الخورنق والسدير ، ودانه     ما بين حمير أهلها وأوال



                                                          صرفه للضرورة ؛ وأنشد ابن بري لأنيف بن جبلة :


                                                          أما إذا استقبلته فكأنه     للعين جذع ، من أوال ، مشذب

                                                          أولى : وألاء : اسم يشار به إلى الجمع ، ويدخل عليهما حرف التنبيه ، تكون لما يعقل ولما لا يعقل ، والتصغير أليا وألياء ؛ قال :


                                                          يا ما أميلح غزلانا برزن لنا     من هؤليائكن الضال والسمر

                                                          قال ابن جني : اعلم أن ألاء وزنه إذا مثل فعال كغراب ، وكان حكمه إذا حقرته على تحقير الأسماء المتمكنة أن تقول : هذا أليئ ورأيت أليئا ومررت بأليئ ، فلما صار تقديره أليئا أرادوا أن يزيدوا في آخره الألف التي تكون عوضا من ضمة أوله . كما قالوا في ذا : ذيا ، وفي تا : تيا ، ولو فعلوا ذلك لوجب أن يقولوا : أليئا ، فيصير بعد التحقير مقصورا وقد كان قبل التحقير ممدودا ، أرادوا أن يقروه بعد التحقير على ما كان عليه قبل التحقير من مده فزادوا الألف قبل الهمزة ، فالألف التي قبل الهمزة في ألياء ليست بتلك التي كانت قبلها في الأصل إنما هي الألف التي كان سبيلها أن تلحق آخرا فقدمت لما ذكرناه . قال : وأما ألف ألاء فقد قلبت ياء كما تقلب ألف غلام إذا قلت : غليم ، وهي الياء الثانية والياء الأولى هي ياء التحقير . الجوهري : وأما ألو فجمع لا واحد له من لفظه واحده ذو ، وألات للإناث واحدتها ذات ، تقول : جاءني ألو الألباب وألات الأحمال ، قال : وأما ألى فهو أيضا جمع لا واحد [ ص: 198 ] له من لفظه ، واحده ذا للمذكر وذه للمؤنث ، ويمد ويقصر ، فإن قصرته كتبته بالياء ، وإن مددته بنيته على الكسر . ويستوي فيه المذكر والمؤنث ، وتصغيره أليا ، بضم الهمزة وتشديد الياء ، يمد ويقصر لأن تصغير المبهم لا يغير أوله بل يترك على ما هو عليه من فتح أو ضم ، وتدخل ياء التصغير ثانية إذا كان على حرفين ، وثالثة إذا كان على ثلاثة أحرف ، وتدخل عليه الهاء للتنبيه ، تقول : هؤلاء . قال أبو زيد : ومن العرب من يقول : هؤلاء قومك ورأيت هؤلاء ، فينون ويكسر الهمزة ، قال : وهي لغة بني عقيل ، وتدخل عليه الكاف للخطاب ، تقول : أولئك وألاك . قال الكسائي : ومن قال : ألاك فواحده ذاك ، وألالك مثل أولئك ؛ وأنشد يعقوب :


                                                          ألالك قومي لم يكونوا أشابة     وهل يعظ الضليل إلا ألالكا ؟

                                                          واللام فيه زيادة ، ولا يقال : هؤلاء لك ، وزعم سيبويه أن اللام لم تزد إلا في عبدل وفي ذلك ولم يذكر ألالك إلا أن يكون استغنى عنها بقوله : ذلك ، إذ ألالك في التقدير كأنه جمع ذلك ، وربما قالوا : أولئك في غير العقلاء ؛ قال جرير :


                                                          ذم المنازل ، بعد منزلة اللوى     والعيش ، بعد أولئك الأيام

                                                          وقال عز وجل : إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا قال : وأما ألى ، بوزن العلا ، فهو أيضا جمع لا واحد له من لفظه ، واحده الذي . ( التهذيب ) : الألى بمعنى الذين ؛ ومنه قوله :


                                                          فإن الألى بالطف من آل هاشم     تآسوا ، فسنوا للكرام التآسيا

                                                          وأتى به زياد الأعجم نكرة بغير ألف ولام في قوله :


                                                          فأنتم ألى جئتم مع البقل والدبى     فطار ، وهذا شخصكم غير طائر

                                                          قال : وهذا البيت في باب الهجاء من الحماسة ، قال : وقد جاء ممدودا ؛ قال خلف بن حازم :


                                                          إلى النفر البيض الألاء كأنهم     صفائح ، يوم الروع ، أخلصها الصقل

                                                          قال : والكسرة التي في ألاء كسرة بناء لا كسرة إعراب . قال : وعلى ذلك قول الآخر :


                                                          فإن الألاء يعلمونك منهم

                                                          قال : وهذا يدل على أن ألا وألاء نقلتا من أسماء الإشارة إلى معنى الذين ، قال : ولهذا جاء فيهما المد والقصر وبني الممدود على الكسر ، وأما قولهم : ذهبت العرب الألى ، فهو مقلوب من الأول لأنه جمع أولى مثل أخرى وأخر ، وأنشد ابن بري :


                                                          رأيت موالي الألى يخذلونني     على حدثان الدهر ، إذ يتقلب



                                                          قال : فقوله : يخذلونني مفعول ثان أو حال وليس بصلة ؛ وقال عبيد بن الأبرص :


                                                          نحن الألى ، فاجمع جمو     عك ، ثم وجههم إلينا

                                                          قال : وعليه قول أبي تمام :


                                                          من أجل ذلك كانت العرب الألى     يدعون هذا سوددا محدودا

                                                          رأيت بخط الشيخ رضي الدين الشاطبي قال : وللشريف الرضي يمدح الطائع :


                                                          قد كان جدك عصمة العرب الألى     فاليوم أنت لهم من الأجذام

                                                          قال : وقال ابن الشجري قوله : الألى يحتمل وجهين أحدهما : أن يكون اسما بمعنى الذين ، أراد الألى سلفوا ، فحذف الصلة للعلم بها كما حذفها عبيد بن الأبرص في قوله :


                                                          نحن الألى ، فاجمع جموعك

                                                          أراد : نحن الألى عرفتهم ، وذكر ابن سيده ألي في اللام والهمزة والياء ، وقال : ذكرته هنا لأن سيبويه قال ألى بمنزلة هدى ، فمثله بما هو من الياء ، وإن كان سيبويه ربما عامل اللفظ .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية