الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأي آلاء ربكما تكذبان ذواتا أفنان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما عينان تجريان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما من كل فاكهة زوجان فبأي آلاء ربكما تكذبان متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان فبأي آلاء ربكما تكذبان

                                                                                                                                                                                                مقام ربه موقفه الذي يقف فيه العباد للحساب يوم القيامة يوم يقوم الناس لرب العالمين [المطففين: 6]. ونحوه: ذلك لمن خاف مقامي [إبراهيم: 14]. ويجوز أن يراد بمقام ربه: أن الله قائم عليه; أي: حافظ مهيمن من قوله تعالى: أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت [الرعد: 33]. فهو يراقب ذلك فلا يجسر على معصيته. وقيل: هو مقحم كما تقول: أخاف جانب فلان، وفعلت هذا لمكانك. وأنشد "من الوافر":


                                                                                                                                                                                                ذعرت به القطا ونفيت عنه مقام الذئب كالرجل اللعين

                                                                                                                                                                                                [ ص: 17 ] يريد: ونفيت عنه الذئب. فإن قلت: لم قال: "جنتان" قلت: الخطاب للثقلين; فكأنه قيل: لكل خائفين منكما جنتان: جنة للخائف الإنسي، وجنة للخائف الجني. ويجوز أن يقال: جنة لفعل الطاعات، وجنة لترك المعاصي; لأن التكليف دائر عليهما وأن يقال: جنة يثاب بها، وأخرى تضم إليها على وجه التفضل، كقوله تعالى: للذين أحسنوا الحسنى وزيادة [يونس: 26]. خص الأفنان بالذكر: وهي الغصنة التي تتشعب من فروع الشجرة: لأنها هي التي تورق وتثمر، فمنها تمتد الظلال، ومنها تجتنى الثمار. وقيل: الأفنان ألوان النعم ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين. قال: "من الطويل":


                                                                                                                                                                                                ومن كل أفنان اللذاذة والصبا     لهوت به والعيش أخضر ناضر

                                                                                                                                                                                                عينان تجريان حيث شاءوا في الأعالي والأسافل. وقيل: تجريان من جبل من مسك. وعن الحسن: تجريان بالماء الزلال: إحداهما التسنيم، والأخرى: السلسبيل "زوجان" صنفان: قيل: صنف معروف وصنف غريب "متكئين" نصب على المدح للخائفين. أو حال منهم؛ لأن من خاف في معنى الجمع.

                                                                                                                                                                                                بطائنها من إستبرق من ديباج ثخين، وإذا كانت البطائن من الإستبرق، فما ظنك بالظهائر؟ وقيل: ظهائرها من سندس. وقيل: من نور "دان" قريب يناله القائم والقاعد والنائم. وقرئ: "وجنى"، بكسر الجيم.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية