الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 317 ] 267 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كان من أصحابه رضوان الله عليهم عندما يتلى عليهم : آمن الرسول بما أنـزل إليه من ربه ... إلى آخر سورة البقرة ، وما كان من الله مما أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم لذلك جوابا لهم .

حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا محمد بن الصلت الأسدي ، قال : حدثنا أبو كدينة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : لما نزلت هذه الآية : آمن الرسول بما أنـزل إليه من ربه ، إلى قوله عز وجل : لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا .

قالوا مثل ذلك ، قال الله : قد فعلت ، ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا . قالوا مثل ذلك ، قال : قد فعلت ، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ، قال الله : قد فعلت ، واعف عنا ، الآية . قالوا مثل ذلك ، قال الله : قد فعلت
.

[ ص: 318 ]

1630 - حدثنا محمد بن عبد الرحيم الهروي ، قال : حدثنا آدم بن أبي إياس ، قال : حدثنا ورقاء ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : { لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم : آمن الرسول بما أنـزل إليه من ربه . قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما ، قال : غفرانك ربنا . قال الله: قد غفرت لكم . فلما قال : ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا . قال الله عز وجل : لا أؤاخذكم . فلما قال : ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا . قال الله عز وجل : لا أحمل عليكم . قال : فلما قال عز وجل : ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به . قال الله : لا أحملكم . فلما ، قال : واعف عنا . قال الله : قد عفوت عنكم . فلما قال : واغفر لنا . قال : قد غفرت لكم . فلما قال : وارحمنا . قال : قد رحمتكم .

فلما قال : فانصرنا على القوم الكافرين ، قال : قد نصرتكم
.

قال أبو جعفر : فسأل سائل عن المراد بقوله : ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا [ ص: 319 ] وقال : النسيان ليس مما يملكونه من أنفسهم ، فكيف يسألون أن لا يؤاخذوا به ؟

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه ، أن النسيان الذي لا يملكونه من أنفسهم هو النسيان من الأشياء التي هي أضداد للذكر لها ، فذلك مما لا يؤاخذون به ، ومما لا يجوز منهم سؤالهم ربهم أن لا يؤاخذهم به .

وأما النسيان المذكور في هذه الآية ، فإنما هو الترك على العمد بذلك ، كقوله عز وجل : نسوا الله فنسيهم ، في معنى : تركوا الله فتركهم .

قال : فما المراد بقوله عز وجل حكاية : أو أخطأنا ، والخطأ فهم غير مأخوذين به .

كما قال : وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم .

فكان جوابنا له في ذلك ، بتوفيق الله وعونه ، أن الخطأ الذي في الآية التي تلاها علينا الذي لا جناح فيه ، هو ضد ما يتعمدونه .

كما قال عز وجل : ولكن ما تعمدت قلوبكم .

والخطأ الذي في الآية التي تلوناها نحن عليه ، هو الخطأ الذي يفعله من يفعله على أنه به مخطئ في اختياره له ، وفي قصده إليه ، وفي عمله به ، ومنه قيل : خطئت في كذا - مهموز - أي : عملت كذا خطيئة ، فذلك مما عامله مأخوذ به معاقب عليه ، أو معفو له عنه ، إن كان مما يجوز أن يعفى له عن مثله ، فبان بحمد الله أنهم رضوان الله عليهم سألوا ربهم عز وجل في موضع سؤال ، وأنه عز وجل غفر لهم في شيئين قد كان له عز وجل أخذهم بها وعقوبتهم عليها - وهو المحمود على فضله في ذلك عليهم ، ورحمته لهم ، وإياه نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية