الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هذه ثلاث آيات ساقها الأصيلي وكريمة في روايتهما، وفي رواية أبي ذر قوله: لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم " إلى قوله: وما تكتمون وسبب نزول قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا الآية، ما ذكره عدي بن ثابت، قال: جاءت امرأة من الأنصار فقالت: يا رسول الله، إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد ـ والد ولا ولد ـ فيدخل علي، وإنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي وأنا على تلك الحالة، فكيف أصنع؟ فنزلت هذه الآية. قوله: " حتى تستأنسوا "، قال الثعلبي: أي: تستأذنوا، قال ابن عباس: إنما هو تستأذنوا، ولكن أخطأ الكاتب، وكان أبي وابن عباس والأعمش يقرؤونها كذلك "حتى تستأذنوا"، وفي الآية تقديم وتأخير تقديره: حتى تسلموا على أهلها وتستأنسوا. وقال البيهقي: يحتمل أن يكون ذلك في القراءة الأولى، ثم نسخت تلاوته معنى، ولم يطلع عليه ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، والمراد بالاستئناس الاستئذان بتنحنح ونحوه عند الجمهور، وأخرج الطبري عن مجاهد: حتى تستأنسوا: تتنحنحوا، أو تنخموا. وأخرج ابن أبي حاتم بسند ضعيف من حديث أبي أيوب ، قال: قلت: يا رسول الله، هذا السلام فما الاستئناس، قال: يتكلم الرجل بتسبيحة وتكبيرة، ويتنحنح فيؤذن أهل البيت . وأخرج الطبري من طريق قتادة: الاستئذان ثلاثا؛ فالأولى ليسمع، والثانية ليتأهبوا له، والثالثة: إن شاءوا أذنوا، وإن شاءوا أرادوا. والاستئناس في اللغة طلب الإيناس، وهو من الأنس، بالضم، ضد الوحشة. وقال البيهقي: معنى تستأنسوا: تستبصروا ليكون الداخل على بصيرة، فلا يصادف حالا يكره صاحب المنزل أن يطلعوا عليه، وأخرج من طريق البراء، قال: الاستئناس في كلام العرب [ ص: 231 ] معناه انظروا من في الدار. وقال بعضهم: وحكى الطحاوي أن الاستئناس في لغة اليمن الاستئذان، ثم قال: وجاء عن ابن عباس إنكار ذلك، قلت: هذا قتادة قد فسر الاستئناس بالاستئذان كما ذكرناه الآن، فقصد هذا القائل إظهار ما في قلبه من الحقد للحنفية. قوله: " ذلكم"؛ أي: الاستئذان والتسليم خير لكم من تحية الجاهلية، والدمور، وهو الدخول بغير إذن. قوله: " تذكرون" أصله: تتذكرون، فحذفت إحدى التاءين. قوله: فإن لم تجدوا فيها "، أي: في البيوت أحدا من الآذنين، فلا تدخلوها: فاصبروا حتى تجدوا من يأذن لكم. ويحتمل: فإن لم تجدوا فيها أحدا من أهلها ولكم فيها حاجة، فلا تدخلوها إلا بإذن أهلها. قوله: " فارجعوا"، ولا تقفوا على أبوابها، ولا تلازموها. قوله: " هو"؛ أي: الرجوع أزكى، أي: أطهر وأصلح، فلما نزلت هذه الآية قال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله، أرأيت الخانات والمساكن في طريق الشام ليس فيها ساكن؟ فأنزل الله تعالى: ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة بغير استئذان. قوله: فيها متاع لكم "؛ أي: منفعة لكم. واختلفوا في هذه البيوت ما هي؟ قال قتادة: هي الخانات، والبيوت المبنية للسائلة يأووا إليها، ويأووا أمتعتهم فيها. وقال مجاهد: كانوا يضعون بطريق المدينة أقتابا وأمتعة في بيوت ليس فيها أحد، وكانت الطرقات إذ ذاك آمنة، فأحل لهم أن يدخلوها بغير إذن. وعن محمد بن الحنفية، وأبيه علي رضي الله تعالى عنهما: هي بيوت مكة. وقال الضحاك: هي الخربة التي يأوي إليها المسافر في الصيف والشتاء. وقال عطاء: هي البيوت الخربة، والمتاع: قضاء الحاجة فيها من البول وغيره. وقال ابن زيد: هي بيوت التجار وحوانيتهم التي بالأسواق. وقال ابن جريج: هي جميع ما يكون من البيوت التي لا ساكن فيها على العموم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية