الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وقد بين - سبحانه - عظم الإثم؛ وضرره في الجماعة المسلمة؛ فقال - عز من قائل -: ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم ولولا ؛ كما يقول علماء اللغة هنا حرف امتناع لوجود؛ أي: امتنع جوابها؛ وهو أنه يمسهم عذاب عظيم لوجود فضل الله (تعالى) ورحمته؛ فأما فضله فهو ما أنعم به عليهم من نعمة الإيمان؛ التي تجعل نفوسهم متأدبة بآدابه؛ آخذة بأهدابه؛ وأنهم إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا؛ فعادوا إلى الحق نادمين تائبين مطهرين أنفسهم وألسنتهم وقلوبهم؛ وألا يخوضوا من بعد ذلك في حديث؛ هذا فضل الله (تعالى) الذي كانوا فيه بنعمة الإيمان؛ وما كان إنما هو أمر عارض قد زال بهداية الله (تعالى)؛ [ ص: 5160 ] وأما رحمته فهي أنه - سبحانه وتعالى - لم يأخذهم بأمر عارض؛ بل غفر لهم؛ وأي رحمة أعظم من غفران لعمل كان منهم بجهالة؛ ثم تابوا من قريب؛ كما قال (تعالى): إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب

                                                          وجواب الشرط: لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم ؛ و " مس " ؛ معناها: أصاب جلودكم؛ كما يمس الحديد المحمى الجسم الحي فيؤلمه؛ وفي كلمة أفضتم فيه ؛ " أفاض " ؛ أصلها من " فاض الإناء حتى سال " ؛ ومعنى: أفضتم فيه ؛ مجاز بالاستعارة؛ إذ شبه حديثهم الذي خاضوا فيه غير محترسين؛ ولا مفكرين؛ بالماء الذي يسيل؛ فلا يضبط؛ وكأن الحديث يسيل سيلا زائدا عن حده؛ وبغير غاية.

                                                          وقوله (تعالى): عذاب عظيم ؛ التنكير فيه للتعظيم؛ أي: عذاب لا تدركونه اليوم؛ وسترونه؛

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية