الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين

                                                                                                                                                                                                                                      فقال الملأ أي : الأشراف الذين كفروا من قومه وصف الملأ بما ذكر مع اشتراك الكل فيه للإيذان بكمال عراقتهم في الكفر وشدة شكيمتهم فيه ، أي : قالوا لعوامهم ما هذا إلا بشر مثلكم أي : في الجنس والوصف من غير فرق بينكم وبينه . وصفوه عليه السلام بذلك مبالغة في وضع رتبته العالية وحطها عن منصب النبوة .

                                                                                                                                                                                                                                      يريد أن يتفضل عليكم أي : يريد أن يطلب الفضل عليكم ويتقدمكم بادعاء الرسالة مع كونه مثلكم وصفوه بذلك إغضابا للمخاطبين عليه السلام ، وإغراء لهم على معاداته عليه السلام .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : ولو شاء الله لأنزل ملائكة بيان لعدم رسالة البشر على الإطلاق على زعمهم الفاسد بعد تحقيق بشريته عليه السلام ، أي : لو شاء الله تعالى إرسال الرسول لأرسل رسلا من الملائكة ، وإنما قيل : لأنزل لأن إرسال الملائكة لا يكون إلا بطريق الإنزال ، فمفعول المشيئة مطلق الإرسال المفهوم من الجواب لا نفس مضمونه ، كما في قوله تعالى : ولو شاء لهداكم ونظائره .

                                                                                                                                                                                                                                      ما سمعنا بهذا أي : بمثل هذا الكلام الذي هو الأمر بعبادة الله خاصة وترك عبادة ما سواه ، وقيل : بمثل نوح عليه السلام في دعوى النبوة .

                                                                                                                                                                                                                                      في آبائنا الأولين أي : الماضين قبل بعثته عليه السلام ، قالوه إما لكونهم وآبائهم في فترة متطاولة ، وإما لفرط غلوهم في التكذيب والعناد وأنهما كهم في الغي والفساد . وأيا ما كان فقولهم هذا ينبغي أن يكون هو الصادر عنهم في مبادئ دعوته عليه السلام ، كما تنبئ عنه الفاء في قوله تعالى : "فقال الملأ .." إلخ ، وقيل : معناه : ما سمعنا به عليه السلام أنه نبي ، فالمراد بآبائهم الأولين : الذين مضوا قبلهم في زمن نوح عليه السلام ، وقولهم المذكور هو الذي صدر عنهم في أواخر أمره عليه السلام وهو المناسب لما بعده من حكاية دعائه عليه السلام وقولهم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية