الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 320 ] 268 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : { تجاوز الله لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم ينطق به لسان أو تعمله يد } " .

1631 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا أبو اليسع وهب بن المبارك ، قال : حدثنا حماد بن سلمة وأبو عوانة ، عن قتادة ( ح ) ، وحدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن قتادة ، ثم اجتمعا فقالا : عن زرارة بن أوفى ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { تجاوز الله عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم ينطق به لسان أو تعمله يد } .

[ ص: 321 ]

1632 - وحدثنا عبد الرحمن بن الجارود ، قال : حدثنا معاذ بن فضالة ، قال : حدثنا هشام الدستوائي ، عن قتادة ، عن زرارة بن أوفى ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : { إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل يد أو ينطق به لسان } .

1633 - وحدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا عبد الله بن سعيد أبو سعيد الأشج ، قال : حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن مسعر ، عن قتادة ، عن زرارة بن أوفى ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن الله عز وجل تجاوز لأمتي ما وسوست به ، وحدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم به } .

1634 - وحدثنا أحمد ، قال : حدثنا موسى بن عبد الرحمن [ ص: 322 ] المسروقي ، قال : حدثنا حسين الجعفي ، عن زائدة ، عن شيبان ، عن قتادة ، عن زرارة بن أوفى ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : { إن الله عز وجل تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تكلم به ، أو تعمل به } .

1635 - وحدثنا أحمد ، حدثني إبراهيم بن الحسن وعبد الرحمن بن محمد بن سلام ، قالا : حدثنا حجاج بن محمد ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم - وقال عبد الرحمن : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال : { إن الله عز وجل تجاوز عن أمتي كل شيء حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل } .

1636 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا أبو الربيع الزهراني ، قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن الأعمش ، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن الله [ ص: 323 ] عز وجل عفا لي ، عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يعملوا به أو يتكلموا به } .

قال أبو جعفر : سمعت ابن أبي داود يقول : لا نعرف للأعمش عن الأعرج غير هذا الحديث ، ولا يرويه عنه غير جرير .

قال أبو جعفر : وكان الذي حدثنا هؤلاء جميعا هذا الحديث عليه هو : حدثت به أنفسها - بالنصب - ، فكان ذلك على معنى حديثها به أنفسها ، وأهل اللغة يخالفونهم في ذلك ، ويذكرون أنه حدثت به أنفسها بالرفع ، وأن أنفسها حديثها به ، عن غير اختيارها إياه ، ولا اجتلابها له منها ، قالوا : ومما يدل على ذلك قول الله عز وجل : ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد .

قالوا : ومما يدل على ذلك فذكروا :

1637 - ما قد حدثنا به أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا الحسين بن منصور ، قال : حدثنا علي بن عثام ، قال : حدثنا سعير بن الخمس ، قال : حدثنا مغيرة ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، [ ص: 324 ] عن عبد الله ، قال : { جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إني أحدث نفسي بالشيء ؛ لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به ، فقال : ذاك محض الإيمان أو قال : صريح الإيمان } .

1638 - وذكروا ما قد حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا شعبة ، قال : حدثنا منصور ، عن ذر ، عن عبد الله بن شداد بن الهاد ، عن ابن عباس ، { أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : يا رسول الله ، إن أحدنا يحدث نفسه بالشيء ، لأن يكون حممة أحب إليه من أن يتكلم [ ص: 325 ] به ، فقال : الحمد لله الذي لم يقدر منكم إلا على الوسوسة } .

قال شعبة : وحدثنا سليمان بهذا الإسناد ، وقال في حديثه : الحمد لله الذي رد أمره إلى الوسوسة .

1639 - وما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا بشر بن عمر الزهراني ، قال : حدثنا شعبة ، عن منصور . وسليمان ، عن ذر ، عن عبد الله بن شداد ، عن { ابن عباس ، قال : يا رسول الله ، كنا نحدث أنفسنا بالشيء : لأن نكون حممة أحب إلينا من أن نتكلم به ، فقال : أحدهما : الحمد لله الذي لم يقدر منكم إلا على الوسوسة .

وقال الآخر : الحمد لله الذي رد أمره إلى الوسوسة
} .

[ ص: 326 ]

1640 - وما قد حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن ذر ، عن عبد الله بن شداد ، عن ابن عباس ، قال : { جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إني أحدث نفسي بشيء ، ولأن أكون حممة أحب إلي من أن أتكلم به . فقال : الله أكبر ، الحمد لله الذي رد أمره إلى الوسوسة } .

قالوا : وهذا الحديث وإن كان قد قيل فيه ، وإن أحدنا يحدث نفسه ، وهو مما ذكره عنه ابن مسعود ذلك صريح الإيمان أو محض الإيمان ، أو لتوقيكم أن تقولوا ذلك بألسنتكم ، فتؤخذون به ، فكان توقيكم ذلك ومنع أنفسكم منه إيمانا .

وما ذكره عنه ابن عباس ، وهو : الحمد لله الذي لم يقدر عليكم إلا على الوسوسة ، أو الحمد لله الذي رد أمره إلى الوسوسة التي لا تؤاخذون بها ، بل تثابون على توقيكم أن تطلقوها .

قالوا : وهذا الحديث وإن كان قد قيل فيه : إن أحدنا تحدثه نفسه ، أو إنا نحدث أنفسنا ، فإن جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 327 ] إياهم في ذلك هو المعتمد عليه وإليه قصد به ، وهو : { الحمد لله الذي لم يقدر منكم إلا على الوسوسة } .

أو الحمد لله الذي رد أمره إلى الوسوسة ، فعاد ذلك إلى وسواسه أنفسهم بما توسوسهم به .

قال أبو جعفر : فتأملنا نحن هذا الحديث ، وهل يحتمل خلاف ما قال أهل اللغة فيه مما يوافق ما كان الذين أخذناه عنهم حدثونا به ، مما يعود إلى ما حدثت به أنفسها بالنصب أم لا ، فوجدنا منه ذكر التجاوز من الله عز وجل لنبيه في أمته عما تجاوز لها عنه ، فكان التجاوز لا يكون إلا عن ما لو لم يتجاوز عنه ، لكانوا معاقبين عليه ، وذلك مما قد عقلناه أنه لا يكون من الخواطر المعفو عنها ، وأنه إنما يكون من الأشياء المجتلبة بالهموم بها ، فكان وجه ذلك عندنا والله أعلم ، على ما يهم به من المعاصي ليعملها ، فتجاوز الله لنبيه صلى الله عليه وسلم عنهم ذلك ، فلم يؤاخذهم به ولم يعاقبهم عليه .

ومن ذلك ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

1641 - مما قد حدثنا يونس ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن { النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : قال الله عز وجل : إذا هم عبدي بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة ، فإن عملها فاكتبوها عشرا ، وإذا هم عبدي بسيئة فلم يعملها فلا تكتبوها ، فإن عملها فاكتبوها بمثلها ، وإن هو تركها فاكتبوها حسنة } .

[ ص: 328 ] قال أبو جعفر : سمعت يونس يقول : ثم قرأت هذا الحديث على سفيان ، بعد أن حدثنا به ، فزادني في الحسنة : { فاكتبوها إلى سبعمائة ضعف } ، وزادني في السيئة : { فإن تركها من خشيتي } .

فانتفى بذلك ما ادعاه أهل اللغة على المحدثين في هذا الحديث ، مما قد ذكرناه معهم ، وعاد الحديث إلى ما حدثت به أنفسها بالنصب ، كما نقلوه إلينا ، لا بالرفع ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية