الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ القول في تأويل قوله تعالى : ( ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين ( 81 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره ، مخبرا عن قيل روبيل لإخوته ، حين أخذ يوسف أخاه بالصواع الذي استخرج من وعائه : ارجعوا ، إخوتي ، إلى أبيكم يعقوب فقولوا له يا أبانا إن ابنك بنيامين سرق . [ ص: 210 ]

والقرأة على قراءة هذا الحرف بفتح السين والراء والتخفيف : ( إن ابنك سرق ) .

وروي عن ابن عباس : " إن ابنك سرق " بضم السين وتشديد الراء ، على وجه ما لم يسم فاعله ، بمعنى : أنه سرق ( وما شهدنا إلا بما علمنا ) .

واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .

فقال بعضهم : معناه : وما قلنا إنه سرق إلا بظاهر علمنا بأن ذلك كذلك ، لأن صواع الملك أصيب في وعائه دون أوعية غيره .

ذكر من قال ذلك :

19632 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : ( ارجعوا إلى أبيكم ) فإني ما كنت راجعا حتى يأتيني أمره ( فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا ) ، أي : قد وجدت السرقة في رحله ، ونحن ننظر لا علم لنا بالغيب ( وما كنا للغيب حافظين ) .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : وما شهدنا عند يوسف بأن السارق يؤخذ بسرقته إلا بما علمنا .

ذكر من قال ذلك :

19633 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : قال لهم يعقوب عليه السلام : ما يدري هذا الرجل أن السارق يؤخذ بسرقته إلا بقولكم! فقالوا : ( ما شهدنا إلا بما علمنا ) ، لم نشهد أن السارق يؤخذ بسرقته إلا وذلك الذي علمنا . قال : وكان الحكم عند الأنبياء ، يعقوب وبنيه أن يؤخذ السارق بسرقته عبدا فيسترق .

وقوله : ( وما كنا للغيب حافظين ) ، يقول : وما كنا نرى أن ابنك يسرق [ ص: 211 ] ويصير أمرنا إلى هذا ، وإنما قلنا ( ونحفظ أخانا ) مما لنا إلى حفظه منه السبيل .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

19634 - حدثنا الحسين بن الحريث أبو عمار المروزي . قال : حدثنا الفضل بن موسى ، عن الحسين بن واقد ، عن يزيد ، عن عكرمة : ( وما كنا للغيب حافظين ) . قال : ما كنا نعلم أن ابنك يسرق .

19635 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( وما كنا للغيب حافظين ) ، لم نشعر أنه سيسرق .

19636 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( وما كنا للغيب حافظين ) قال : لم نشعر أنه سيسرق .

19637 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( وما كنا للغيب حافظين ) قال : لم نشعر أنه سيسرق .

19638 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد وأبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة : ( وما كنا للغيب حافظين ) [ ص: 212 ] قال : ما كنا نظن ولا نشعر أنه سيسرق .

19639 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( وما كنا للغيب حافظين ) قال : ما كنا نرى أنه سيسرق .

19640 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى . قال حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( وما كنا للغيب حافظين ) ، قال : ما كنا نظن أن ابنك يسرق .

قال أبو جعفر : وأولى التأويلين بالصواب عندنا في قوله : ( وما شهدنا إلا بما علمنا ) قول من قال : وما شهدنا بأن ابنك سرق إلا بما علمنا من رؤيتنا للصواع في وعائه لأنه عقيب قوله : ( إن ابنك سرق ) ; فهو بأن يكون خبرا عن شهادتهم بذلك ، أولى من أن يكون خبرا عما هو منفصل .

وذكر أن " الغيب " ، في لغة حمير ، هو الليل بعينه .

التالي السابق


الخدمات العلمية