الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 79 ] الباب الرابع

                                                                                                                في الأوامر

                                                                                                                وفيه ثمانية فصول :

                                                                                                                الفصل الأول : في مسماه ما هو ، أما لفظ الأمر ، فالصحيح أنه اسم لمطلق الصيغة الدالة على الطلب من سائر اللغات لأنه المتبادر إلى الذهن ، هذا هو مذهب الجمهور ، وعند بعض الفقهاء مشتركة بين القول والفعل ، وعند أبي الحسين مشتركة بينهما وبين الشأن والشيء والصفة ، وقيل هو موضوع للكلام النفساني دون اللساني ، وقيل منزل بينهما ، وأما اللفظ الذي هو مدلول الأمر ، فهو موضوع عند مالك - رحمه الله - وعند أصحابه للوجوب ، وعند أبي هاشم للندب ، وللقدر المشترك بينهما عند قوم ، وعند آخرين لا يعلم حاله ، وهو عنده أيضا للفور ، وعند الحنفية خلافا لأصحابنا المغاربة ، والشافعية ، وقيل بالوقف ، وهو عنده للتكرار قاله ابن القصار من استقراء كلامه ، وخالفه أصحابه ، وقيل بالوقف [ لنا قوله تعالى لإبليس : ( ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك ) . رتب الذم على ترك المأمور به في الحال ، وذلك دليل الوجوب والفور ، وأما التكرار ، فلصحة الاستثناء من كل زمان من الفعل ، فإن علق على شرط فهو عنده وعند جمهور أصحابه والشافعية للتكرار خلافا للحنفية ، وهو يدل على الإجزاء عند أصحابه [ ص: 80 ] خلافا لأبي هاشم لأنه لو بقيت الذمة مشغولة بعد الفعل لم يكن أتى بما أمر به ، والمقرر خلافه ، وعلى النهي عن أضداد المأمور به عند أكثر أصحابه من المعنى لا من اللفظ خلافا لجمهور المعتزلة ، وكثير من السنة ، ولا يشترط فيه علو الأمر خلافا للمعتزلة ، ونص الباجي من أصحاب مالك ، وأبو الحسن من المعتزلة على الاستعلاء ، واختاره الإمام فخر الدين ، ولم يشترط غيرهم الاستعلاء ، ولا العلو ، والاستعلاء في الأمر من الترفع ، وإظهار القهر ، والعلو يرجع إلى هيبة الآمر ، وشرفه ، وعلو منزلته بالنسبة للمأمور ، ولا يشترط فيه أيضا إرادة المأمور به ، ولا إرادة الطلب خلافا لأبي علي ، وأبي هاشم من المعتزلة [ لنا أنها معنى خفي يتوقف العلم به على اللفظ ، فلو توقف اللفظ عليها لزم الدور ] .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية