الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 329 ] 269 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصرعة من هو من الرجال .

1642 - حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا الحسن بن عمر بن شقيق ، قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن الحارث بن سويد ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما تعدون الصرعة فيكم ؟

قال : قلنا : الذي لا تصرعه الرجال .

، قال : ليس ذاك ، ولكن الذي يملك نفسه عند الغضب
} .

1643 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني مالك ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، [ ص: 330 ] عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : { ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب } .

1644 - حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا يحيى بن صالح الوحاظي ، قال : حدثنا إسحاق بن يحيى ، قال : حدثنا الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن ، أنه أخبره أن أبا هريرة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { ليس الشديد [ ص: 331 ] بالصرعة } . قالوا : فمن الشديد يا رسول الله ؟ قال : الذي يملك نفسه عند الغضب } .

1645 - حدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سعيد بن مسروق ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ليس الشديد من غلب الناس ، ولكن الشديد من غلب نفسه } .

قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن الصرعة المستحق لهذا الاسم هو الذي يملك نفسه عند الغضب ، فيصرعها بذلك عما تدعوه إليه من هواها ، وليس ذلك عندنا والله أعلم إخراج منه ذا القوة على صاحبه حتى يصرعه من أن يكون صرعة ، إذ كان [ ص: 332 ] الذي يملك نفسه فيصرعها عما تريده منه من هواها فوق ذلك ، فاستحق أن يكون هو الصرعة ، وإن كان من سواه ممن ذكرنا صرعة أيضا .

ومثل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم : { ليس المسكين بالطواف الذي ترده التمرة والتمرتان ، واللقمة واللقمتان . قالوا : من المسكين يا رسول الله ؟ قال : الذي لا يسأل الناس ولا يعرف فيتصدق عليه } .

وسنذكر ذلك فيما بعد من كتابنا هذا في موضعه منه إن شاء الله .

ولم يكن قوله : { ليس المسكين بالطواف } ، إخراجا منه من يسأل على المسكنة أن يكون مسكينا ، ولكنه ليس في أعلى مراتب المسكنة ، فمثل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الذي روينا ، أن الصرعة الذي لا يصرعه الرجال ليس هو الصرعة ، إذ كان في الصرعين من هو فوقه ، وهو الذي يملك نفسه عند غضبها فيصرعها عن هواها إلى ما هو أولى بها منه ، والله أعلم بمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، وإياه نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية