الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 5186 ] النكاح هو الحصن

                                                          وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ولقد أنـزلنا إليكم آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين

                                                          كانت الآيات السابقة فيها ما يصون الأسرة في كيانها؛ وما فيه صيانة النساء من قول السوء؛ وأن تمس عفتهن بالأنظار الجارحة؛ فأمر الرجال بغض البصر؛ وأمر بأن تكون نظرات النساء غير مغرية لأهل السوء؛ وألا يكون إبداء الزينة مغريا لأهل الدعارة والفساد؛ وكل هذا كان لحماية النفوس من الشر؛ وبعد ذلك بين الأمر الإيجابي الذي يصون المرأة؛ وهو سبيل العفة؛ وطريقها؛ وهو النكاح؛ فقال - عز من قائل -: وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ؛ " أنكحوا " ؛ أي: زوجوا؛ فالنكاح هو الزواج؛ والإنكاح هو التزويج؛ والخطاب للأولياء على النساء؛ الذين لهم ولايتهم؛ بقوله (تعالى): الرجال قوامون على النساء ؛ ويصح أن يكون الخطاب للأمة في مجموعها؛ بأن [ ص: 5187 ] يسهلوا زواج الأيامى؛ وتكون " الأيامى " ؛ شاملة للرجال؛ والنساء؛ ويكون الأمر بالنكاح هو الأمر بتسهيله وإشاعته؛ وتمكين كل بالغ وبالغة؛ فإنه حينئذ يعف النساء؛ والرجال؛ معا؛ ويكون غض البصر في الطرقات والبيوت؛ وألا يكون شيء يجر إلى الشر في المجتمع الإسلامي؛ فيكون طاهرا متنزها؛ لا يظهر فيه إلا الخير؛ وتختفي المنكرات؛ ونحن نميل إلى هذا التخريج.

                                                          و " الأيامى " ؛ جمع " أيم " ؛ وهو غير المتزوج من النساء؛ والرجال؛ وقال أهل اللغة: " الأيم " ؛ في الأصل؛ هو المرأة؛ ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: " الأيم أحق بنفسها من وليها " ؛ سواء أكانت بكرا أم كانت ثيبا؛ ولقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أنا وامرأة [سفعاء الخدين] تأيمت على ولدها الصغار حتى يبلغوا؛ أو يغنيهم الله من فضله؛ كهاتين في الجنة " ؛ وأشار بأصبعيه؛ ولكنه على سبيل المجاز المشهور أطلق على الرجل؛ وإن ذلك أوضح؛ وأبين.

                                                          أمر الله (تعالى) في هذه الآية بتسهيل زواج ثلاثة؛ أولهم: الأيم من الرجال؛ والنساء؛ الأحرار؛ وذلك بتسهيل الزواج؛ وألا تكون عوائق من أعراف بين الناس؛ تصعب الزواج؛ من مهور مفحشة؛ وجهاز مرهق مانع؛ ومساكن مستعلية في السكن؛ ويكون كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " خير الزواج أيسره كلفة " .

                                                          وثانيهم وثالثهم: الصالحون من العباد؛ والإماء؛ فيزوج السيد عبده إن أراد العبد أن يتزوج؛ ويكرهه على الزواج إن خشي عليه العنت؛ أو أن يقع في الزنا؛ إن لم يتزوج؛ فإنه يكون الزواج فرضا؛ والمسؤول عن العبد هو مالكه؛ فعليه أن يعفه؛ ويمنعه من الزنا؛ ولا طريق للمنع عنه إلا تزويجه؛ فكان التزويج فرضا على المالك; لأن [ ص: 5188 ] الزواج فرض على العبد؛ وعبر بـ " الصالحين من عبادكم وإمائكم " ; لأنهم الذين يرغبون في الصون والعفاف.

                                                          وكذلك الأمر بالنسبة للإماء؛ إن خشي عليهن العنت؛ يكون واجبا عليها أن تتزوج؛ وهي لا تملك نفسها؛ بل يملك الولاية عليها مالكها؛ فيكون التزويج فرضا عليه؛ فإن لم تره؛ وأراده؛ كان له أن يكرهها؛ وقد أجمع الفقهاء على أن التزويج على الأمة ولاية إجبار لا اختيار لها فيها.

                                                          و " عباد " ؛ جمع " عبد " ؛ و " إماء " ؛ جمع " أمة " .

                                                          إذا كان واجبا على الجماعة أن تسهل الزواج؛ وتشيعه؛ لأنه سنة الإسلام؛ فإنه لا يصح أن يحول الفقر منه بين الزواج؛ فإن المال مال الله؛ غاد ورائح؛ ففقير اليوم قد يكون من بعد غنيا؛ ولذا قال (تعالى): إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم ؛ أي أن الله (تعالى) يعطي من يشاء؛ ويغني من يشاء؛ والله واسع عليم ؛ أي: واسع الرحمة والعطاء؛ عليم بمكان الحاجة؛ وموضع العطاء.

                                                          وإن هذا النص يشمل الأحرار; لأنه قد يكون فقيرا؛ أما العبيد؛ أو الإماء؛ فلا مال يملكونه؛ وقد يدخل فقراء الملاك في العموم أيضا.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية