الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم

                                                                                                                                                                                                ما يكون من كان التامة. وقرئ بالياء والتاء، والياء على أن النجوى تأنيثها غير حقيقي ومن فاصله. أو على أن المعنى ما يكون شيء من النجوى. والنجوى: التناجي، فلا تخلو إما أن تكون مضافة إلى ثلاثة، أي: من نجوى ثلاثة نفر. أو موصوفة بها، أي: من أهل نجوى ثلاثة، فحذف الأهل. أو جعلوا نجوى في أنفسهم مبالغة، كقوله تعالى: خلصوا نجيا [يوسف: 80]. وقرأ ابن أبي عبلة : ثلاثة وخمسة، بالنصب على الحال بإضمار يتناجون; لأن نجوى يدل عليه. أو على تأويل نجوى بمتناجين، ونصبها من المستكن فيه. فإن قلت: ما الداعي إلى تخصيص الثلاثة والخمسة؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن قوما من المنافقين تحلقوا للتناجي مغايظة للمؤمنين على هذين العددين: ثلاثة وخمسة، فقيل: ما يتناجى منهم ثلاثة ولا خمسة كما ترونهم يتناجون كذلك ولا أدنى من عددهم ولا أكثر إلا والله معهم يسمع ما يقولون، فقد روي عن ابن عباس - رضي الله عنه -: أنها نزلت في ربيعة وحبيب ابني عمرو وصفوان بن أمية : كانوا يوما يتحدثون، فقال أحدهم: أترى أن الله يعلم ما نقول؟ فقال الآخر: يعلم بعضا ولا يعلم بعضا. وقال الثالث: إن كان يعلم بعضا فهو يعلم كله; وصدق. لأن من علم بعض الأشياء بغير سبب فقد علمها كلها؛ لأن كونه عالما بغير سبب ثابت له مع كل معلوم، والثاني: أنه قصد أن يذكر ما جرت عليه العادة من أعداد أهل النجوى والمتخالين للشورى، والمندبون لذلك ليسوا بكل أحد وإنما هم طائفة مجتباة من أولي النهى والأحلام، ورهط من أهل الرأي والتجارب، وأول عددهم الاثنان فصاعدا إلى خمسة إلى ستة إلى ما اقتضته الحال وحكم الاستصواب. ألا ترى إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كيف ترك الأمر شورى بين ستة ولم يتجاوز بها إلى سابع، فذكر عز وعلا الثلاثة والخمسة وقال: ولا أدنى من ذلك فدل على الاثنين والأربعة وقال: ولا أكثر فدل على ما يلي هذا العدد ويقاربه. وفي مصحف عبد الله: إلا الله رابعهم، ولا أربعة إلا الله خامسهم، ولا خمسة إلا الله سادسهم، ولا أقل من ذلك ولا أكثر إلا الله معهم إذا انتجوا. وقرئ: "ولا أدنى من ذلك [ ص: 63 ] ولا أكثر"، بالنصب على أن لا لنفي الجنس. ويجوز أن يكون: ولا أكثر، بالرفع معطوفا على محل مع أدنى، كقولك: لا حول ولا قوة إلا بالله، بفتح الحول ورفع القوة. ويجوز أن يكونا مرفوعين على الابتداء، كقولك: لا حول ولا قوة إلا بالله، وأن يكون ارتفاعهما عطفا على محل "من نجوى" كأنه قيل: ما يكون أدنى ولا أكثر إلا هو معهم. ويجوز أن يكونا مجرورين عطفا على نجوى، كأنه قيل: ما يكون من أدنى ولا أكثر إلا هو معهم. وقرئ: "ولا أكبر" بالباء. ومعنى كونه معهم: أنه يعلم ما يتناجون به ولا يخفى عليه ما هم فيه، فكأنه مشاهدهم ومحاضرهم، وقد تعالى عن المكان والمشاهدة. وقرئ: ثم ينبئهم؛ على التخفيف.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية