الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون

                                                          صدر النداء هنا بـ " أهل الكتاب " زيادة في التوبيخ، وكل توبيخ لهم يعد قليلا مهما يتكاثر وتترادف عباراته، والاستفهام هنا إنكاري لإنكار ما وقع منهم؛ ذلك بأنهم لبسوا وخلطوا الحق بالباطل، وكتموا الحق الذي يشهد لمحمد - صلى الله عليه وسلم - بالصدق وهم يعلمون به، فكان الاستفهام للتوبيخ على هذا الذي وقع منهم؛ فقد وقع منهم أمران، وثبت فيهم أمر ثالث:

                                                          أما الأمر الأول: فهو خلط الحق بالباطل، بأن حاولوا أن يزيفوا الحق، فألبسوه ثوب الباطل، وأظهروه بمظهره إمعانا منهم في التضليل. وقد فسر الكثيرون كلمة " تلبسون " بمعنى تخلطون، وهي في المؤدى كذلك، ولكن لا بد أن يلاحظ معنى الستر واللباس في الكلمة، ذلك بأنهم جاءوا إلى الحق المبين فألبسوه ثوب الباطل ليستبهم؛ ولقد قال في هذا المعنى الأصفهاني: أصل اللبس ستر الشيء، ويقال ذلك في المعاني، يقال: لبست عليه أمره، قال: وللبسنا عليهم ما يلبسون وقال: لم تلبسون الحق بالباطل [ ص: 1271 ] الأمر الثاني: كتمان الحق الذي عندهم فهم يسترون الحق الذي يقدمه النبي - صلى الله عليه وسلم - بلباس الباطل الذي يخترعونه، ويكتمون الذي عندهم، ويشهد بصدق النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا أقصى ما يمكن أن يصل إليه الكفر بالحق، يكون عند الكافر دليل الحق، ومع ذلك ينكر الدليل الذي يقدمه صاحب الحق، ويحاول أن يزيفه بالباطل. وكل ذلك وهم يعلمون الحق في ذاته، ولكنهم أضلهم الله على علم.

                                                          اللهم اكتبنا فيمن هديتهم، وامنحنا التوفيق؛ وأنقذنا من الضلال، ووفقنا لإدراك الحق، والإذعان له، والإيمان به، إنك سميع الدعاء.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية