الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون

                                                                                                                                                                                                                                      فقالوا عطف على "استكبروا" وما بينهما اعتراض مقرر للاستكبار ، أي : كانوا قوما عادتهم الاستكبار والتمرد . أي : قالوا فيما بينهم بطريق المناصحة أنؤمن لبشرين مثلنا ثنى البشر لأنه يطلق على الواحد كقوله تعالى : بشرا سويا ، كما يطلق على الجمع كما في قوله تعالى : فإما ترين من البشر أحدا ، ولم يثن المثل نظرا إلى كونه في حكم المصدر . وهذه القصص كما نرى تدل على أن مدار شبه المنكرين للنبوة قياس حال الأنبياء على أحوالهم بناء على جهلهم بتفاصيل شئون الحقيقة البشرية وتباين طبقات أفرادها في مراقي الكمال ومهاوي النقصان ، بحيث يكون بعضها في أعلى عليين وهم المختصون بالنفوس الزكية المؤيدون بالقوة القدسية المتعلقون لصفاء جواهرهم بكلا العالمين الروحاني والجسماني يتلقون من جانب ويلقون إلى جانب ولا يعوقهم التعلق بمصالح الخلق عن التبتل إلى جناب الحق ، وبعضها في أسفل سافلين كأولئك الجهلة الذين هم كالأنعام بل هم أضل سبيلا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقومهما يعنون بني إسرائيل لنا عابدون أي : خادمون منقادون لنا كالعبيد ، وكأنهم قصدوا بذلك التعريض بشأنهما عليهما الصلاة والسلام وحط رتبتهما العلية عن منصب الرسالة من وجه آخر غير البشرية . واللام في "لنا" متعلقة بعابدون قدمت عليه رعاية للفواصل ، والجملة حال من فاعل "نؤمن" مؤكدة لإنكار الإيمان لهما بناء على زعمهم الفاسد المؤسس على قياس الرياسة الدينية على الرياسات الدنيوية الدائرة على التقدم في نيل الحظوظ [ ص: 137 ] الدنية من المال والجاه ، كدأب قريش حيث قالوا : لو كان خيرا ما سبقونا إليه ، وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم وجهلهم بأن مناط الاصطفاء للرسالة هو السبق في حيازة ما ذكر من النعوت العلية وإحراز الملكات السنية جبلة واكتسابا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية