الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 336 ] 271 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : { قد كان في الأمم قبلكم قوم محدثون فإن يكن في أمتي أحد منهم فهو عمر بن الخطاب } .

1648 - حدثنا أبو القاسم هشام بن محمد بن قرة بن أبي خليفة ، قال : حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي ، قال : حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال : حدثنا شعيب بن الليث ، قال : حدثنا الليث بن سعد ، قال : حدثني ابن عجلان .

وحدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا أبو حامد بن يحيى البلخي ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن عجلان .

وحدثنا هارون بن كامل بن يزيد ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث ، قال : حدثني محمد بن عجلان ، عن سعد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عائشة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : { قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي أحد منهم فعمر بن الخطاب } .

[ ص: 337 ]

1649 - وحدثنا الربيع بن سليمان الجيزي ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثني ابن أيوب ، قال : حدثني محمد بن عجلان ، ثم ذكر بإسناده مثله .

1650 - وحدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، قال : حدثنا عمي عبد الله بن وهب ، قال : حدثني إبراهيم بن سعد بن إبراهيم الزهري ، عن أبيه ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لقد كان فيمن خلا [ ص: 338 ] من قبلكم من الأمم ناس يحدثون ، فإن يكن في أمتي منهم أحد فهو عمر بن الخطاب } . قال إبراهيم بن سعد : وهم الذين يلهمون .

1651 - وحدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا عبد العزيز بن عبد الله [ ص: 339 ] الأويسي ، قال : حدثني إبراهيم بن سعد ... ثم ذكر بإسناده مثله ، غير ما فيه من قول إبراهيم بن سعد ، هم الذين يلهمون .

1652 - وحدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال : حدثنا شعيب ، قال : حدثنا الليث ، قال : حدثني ابن الهاد ، عن إبراهيم بن سعد ، عن أبيه سعد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثل حديث أبي داود .

قال أبو جعفر : فاختلف إبراهيم بن سعد ومحمد بن عجلان على سعد بن إبراهيم فيمن رد هذا الحديث إليه بعد أبي سلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عائشة ومن أبي هريرة على ما ذكرناه من اختلافهما عنه في ذلك .

فتأملنا هذا الحديث لنقف على المراد به ما هو إن شاء الله ، فكان معنى قوله صلى الله عليه وسلم : محدثون ، أي : ملهمون ، وكذلك يحدثون : أي : يلهمون حتى تنطق ألسنتهم بالحكمة كما كان لسان عمر رضي الله عنه ينطق بما كان ينطق به منها ، فمن ذلك ما قد ذكرناه عنه في حديث إيلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه لما قال لهن : لتنتهن ، عن رسول الله [ ص: 340 ] صلى الله عليه وسلم ، أو ليبدلنه الله عز وجل أزواجا خيرا منكن على ما ذكره عز وجل في الآية التي أنزلها في ذلك ، وأن الله عز وجل أنزل بعد ذلك على رسوله صلى الله عليه وسلم قوله : عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن ، الآية . موافقة لما قد كان قاله لهن قبل ذلك .

وما قد روي عن أنس بن مالك عنه من قوله : وافقت ربي عز وجل في ثلاث ، أو وافقني ربي في ثلاث .

كما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا عبد الله بن بكر السهمي ، عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك ، قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : وافقني ربي عز وجل في ثلاث - أو : وافقت ربي عز وجل في ثلاث - قال : قلت يا رسول الله ، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى ، فأنزل الله عز وجل : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وقلت : يدخل عليك البر والفاجر ، فلو حجبت أمهات المؤمنين ، فأنزل الله آية الحجاب ، وبلغني شيء من المعاتبة من أمهات المؤمنين فاستقريتهن أقول لتكفن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو ليبدلنه الله أزواجا خيرا منكن ، فانتهيت إلى إحدى أمهات المؤمنين ، فقالت : يا عمر أما في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت ، فأنزل الله : عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن } .

[ ص: 341 ] وقد روي عن عبد الله بن عباس في توكيد ما تأولنا الحديث الأول الذي ذكرنا في هذا الباب عليه ما قد حدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا نعيم بن حماد ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو - هو ابن دينار - عن ابن عباس ، أنه كان يقرؤها : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث ) .

[ ص: 342 ] قال أبو جعفر : فكان المحدث في هذا من الجنس الذين ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي ذكرناه في أول هذا الباب ، فقال قائل : أفيجوز أن يقال لهؤلاء الملهمين : إن الله عز وجل أرسلهم كما قرأ ابن عباس الآية عليه على ما في حديثه هذا ؟ .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله وعونه ، أن الرسالة المذكورة في هذه الآية إنما أريد بها الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم لا الملهمون المذكورون معهم ، فقال : فكيف يكون ذلك وهم مذكورون معهم بما في أول الآية - وهو الرسالة - فكان جوابنا له في ذلك فيما ذهب إليه أهل العربية فيه أنهم جمعوا معهم بكتابة في الآية ، كأنه أريد : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا ألهمنا من محدث إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ، وكانوا ينشدون في ذلك بيتا من الشعر :

يا ليت زوجك قد غدا متقلدا سيفا ورمحا

[ ص: 343 ] والسيف ، فمما يتقلد به والرمح ليس كذلك إنما يحمل ، واستعملت الكناية في ذلك فصار كهو لو قال : متقلد سيفا ، وحامل رمحا ، والله أعلم بالحقيقة في ذلك ، وإياه نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية