الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 296 ] [ القول في تأويل قوله تعالى : ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ( 110 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى ) ، فدعوا من أرسلنا إليهم ، فكذبوهم ، وردوا ما أتوا به من عند الله ( حتى إذا استيأس الرسل ) الذين أرسلناهم إليهم منهم أن يؤمنوا بالله ، ويصدقوهم فيما أتوهم به من عند الله وظن الذين أرسلناهم إليهم من الأمم المكذبة أن الرسل الذين أرسلناهم قد كذبوهم فيما كانوا أخبروهم عن الله ، من وعده إياهم نصرهم عليهم ( جاءهم نصرنا ) .

وذلك قول جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

19987 - حدثنا أبو السائب سلم بن جنادة ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن ابن عباس ، في قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قال : لما أيست الرسل أن يستجيب لهم قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم ، جاءهم النصر على ذلك ، فننجي من نشاء .

19988 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا أبو معاوية الضرير ، قال : حدثنا الأعمش ، عن مسلم ، عن ابن عباس ، بنحوه غير أنه قال في حديثه ، قال : " أيست الرسل " ، ولم يقل : " لما أيست " . [ ص: 297 ]

19989 - حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، أن يسلم قومهم ، وظن قوم الرسل أن الرسل قد كذبوا جاءهم نصرنا .

19990 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن ابن عباس ، مثله .

19991 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمران بن عيينة ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قال : حتى إذا استيأس الرسل من قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا ، ( جاءهم نصرنا ) .

19992 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن حصين ، عن عمران السلمي ، عن ابن عباس : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، أيس الرسل من قومهم أن يصدقوهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبتهم .

19993 - حدثنا عمرو بن عبد الحميد ، قال : حدثنا جرير ، عن حصين ، عن عمران بن الحارث السلمي ، عن عبد الله بن عباس ، في قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، قال : استيأس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قال : ظن قومهم أنهم جاءوهم بالكذب .

19994 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت حصينا ، عن عمران بن الحارث ، عن ابن عباس : حتى إذا استيأس الرسل من أن يستجيب لهم قومهم ، وظن قومهم أن قد كذبوهم ( جاءهم نصرنا ) . [ ص: 298 ]

19995 - حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس ، قال : حدثنا عبثر ، قال : حدثنا حصين ، عن عمران بن الحارث ، عن ابن عباس ، في هذه الآية : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، قال : استيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم فيما وعدوا وكذبوا ( جاءهم نصرنا ) .

19996 - حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن حصين ، عن عمران بن الحارث ، عن ابن عباس ، قال : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، من نصر قومهم ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، ظن قومهم أنهم قد كذبوهم .

19997 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن الصباح ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن عمران بن الحارث ، عن ابن عباس ، في قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، قال : من قومهم أن يؤمنوا بهم ، وأن يستجيبوا لهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم ( جاءهم نصرنا ) ، يعني الرسل .

19998 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن حصين ، عن عمران بن الحارث ، عن ابن عباس ، بمثله سواء .

19999 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن هارون ، عن عباد القرشي ، عن عبد الرحمن بن معاوية ، عن ابن عباس : ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) خفيفة ، وتأويلها عنده : وظن القوم أن الرسل قد كذبوا . [ ص: 299 ]

20000 - حدثنا أبو بكر ، قال : حدثنا طلق بن غنام ، عن زائدة ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن ابن عباس ، قال : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، من قومهم أن يصدقوهم ، وظن قومهم أن قد كذبتهم رسلهم ( جاءهم نصرنا ) .

20001 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، يعني : أيس الرسل من أن يتبعهم قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا ، فينصر الله الرسل ، ويبعث العذاب .

20002 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا ) ، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يطيعوهم ويتبعوهم ، وظن قومهم أن رسلهم كذبوهم ( جاءهم نصرنا ) .

20003 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن حصين ، عن عمران بن الحارث ، عن ابن عباس : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، من قومهم ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قال : فما أبطأ عليهم إلا من ظن أنهم قد كذبوا .

20004 - . . . . قال : حدثنا آدم العسقلاني ، قال : حدثنا شعبة ، قال : [ ص: 300 ] أخبرنا حصين بن عبد الرحمن ، عن عمران بن الحارث قال : سمعت ابن عباس يقول : ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) خفيفة . وقال ابن عباس : ظن القوم أن الرسل قد كذبوهم ، خفيفة .

20005 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، من قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم .

20006 - . . . . قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن خصيف ، قال : سألت سعيد بن جبير ، عن قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، من قومهم ، وظن الكفار أنهم هم كذبوا .

20007 - حدثني يعقوب والحسن بن محمد ، قالا حدثنا إسماعيل بن علية . قال : حدثنا كلثوم بن جبر ، عن سعيد بن جبير ، قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، من قومهم أن يؤمنوا ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبتهم .

20008 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا عارم أبو النعمان ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، قال : حدثنا شعيب ، قال : حدثني إبراهيم بن أبي حرة الجزري ، قال : سأل فتى من قريش سعيد بن جبير ، فقال له : يا أبا عبد الله ، كيف تقرأ هذا الحرف ، فإني إذا أتيت عليه تمنيت أن لا أقرأ هذه السورة : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ؟ قال : نعم ، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدقوهم ، وظن المرسل إليهم أن الرسل كذبوا . قال : فقال الضحاك بن مزاحم : ما رأيت كاليوم قط رجلا يدعى إلى علم فيتلكأ!! لو رحلت في هذه إلى اليمن كان قليلا! [ ص: 301 ]

20009 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا ربيعة بن كلثوم ، قال : حدثني أبي ، أن مسلم بن يسار ، سأل سعيد بن جبير ؛ فقال : يا أبا عبد الله ، آية بلغت مني كل مبلغ : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، فهذا الموت ، أن تظن الرسل أنهم قد كذبوا ، أو نظن أنهم قد كذبوا ، مخففة! قال : فقال سعيد بن جبير : يا أبا عبد الرحمن ، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم ، وظن قومهم أن الرسل كذبتهم ( جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ) . قال : فقام مسلم إلى سعيد ، فاعتنقه وقال : فرج الله عنك كما فرجت عني

20010 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا يحيى بن عباد ، قال : حدثنا وهيب ، قال : حدثنا أبو المعلى العطار ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) قال : استيأس الرسل من إيمان قومهم؛ وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم ما كانوا يخبرونهم ويبلغونهم . [ ص: 302 ]

20011 - . . . . قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل ) أن يصدقهم قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا ، جاء الرسل نصرنا .

20012 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

20013 - حدثني المثنى : قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، في هذه الآية : حتى إذا استيأس الرسل من قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبت .

20014 - . . . . قال : حدثنا حماد ، عن كلثوم بن جبر ، قال : قال لي سعيد بن جبير : سألني سيد من ساداتكم عن هذه الآية فقلت : استيأس الرسل من قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبت .

20015 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قال : استيأس الرسل أن يؤمن قومهم بهم ، وظن قومهم المشركون أن الرسل قد كذبوا ما وعدهم الله من نصره إياهم عليهم ، وأخلفوا ، وقرأ : ( جاءهم نصرنا ) ، قال : جاء الرسل النصر حينئذ . قال : وكان أبي يقرؤها : كذبوا .

20016 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن سعيد ، عن أبي المتوكل ، عن أيوب ابن أبي صفوان ، عن عبد الله بن الحارث ، [ ص: 303 ] أنه قال : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، من إيمان قومهم ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، وظن القوم أنهم قد كذبوهم فيما جاءوهم به .

20017 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : ظن قومهم أن رسلهم قد كذبوهم فيما وعدوهم به .

20018 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن جحش بن زياد الضبي ، عن تميم بن حذلم ، قال : سمعت عبد الله بن مسعود يقول في هذه الآية حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ، قال : استيأس الرسل من إيمان قومهم أن يؤمنوا بهم ، وظن قومهم حين أبطأ الأمر أنهم قد كذبوا بالتخفيف .

20019 - حدثنا أبو المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، [ ص: 304 ] عن أبي المعلى ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، قال : استيأس الرسل من نصر قومهم ، وظن قوم الرسل أن الرسل قد كذبوهم .

20020 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا عمرو بن ثابت ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير : حتى إذا استيأس الرسل أن يصدقوهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم .

20021 - . . . . قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : حتى إذا استيأس الرسل أن يصدقهم قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم .

20022 - حدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك في قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، يقول : استيأسوا من قومهم أن يجيبوهم ، ويؤمنوا بهم وظنوا يقول : وظن قوم الرسل أن الرسل قد كذبوهم الموعد .



قال أبو جعفر : والقراءة على هذا التأويل الذي ذكرنا في قوله : ( كذبوا ) بضم الكاف وتخفيف الذال . وذلك أيضا قراءة بعض قرأة أهل المدينة وعامة قرأة أهل الكوفة .

وإنما اخترنا هذا التأويل وهذه القراءة؛ لأن ذلك عقيب قوله : ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ) [ ص: 305 ] فكان ذلك دليلا على أن إياس الرسل كان من إيمان قومهم الذين أهلكوا ، وأن المضمر في قوله : ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، إنما هو من ذكر الذين من قبلهم من الأمم الهالكة ، وزاد ذلك وضوحا أيضا ، إتباع الله في سياق الخبر عن الرسل وأممهم قوله : ( فنجي من نشاء ) ، إذ الذين أهلكوا هم الذين ظنوا أن الرسل قد كذبتهم ، فكذبوهم ظنا منهم أنهم قد كذبوهم .

وقد ذهب قوم ممن قرأ هذه القراءة ، إلى غير التأويل الذي اخترنا ، ووجهوا معناه إلى : حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم ، وظنت الرسل أنهم قد كذبوا فيما وعدوا من النصر .

ذكر من قال ذلك :

20023 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عثمان بن عمر ، قال : حدثنا ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، قال : قرأ ابن عباس : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قال : كانوا بشرا ضعفوا ويئسوا .

20024 - . . . . قال : حدثنا حجاج بن محمد ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس ، قرأ : ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، خفيفة ، قال ابن جريج : أقول كما يقول : أخلفوا . قال عبد الله : قال لي ابن عباس : كانوا بشرا . وتلا ابن عباس : ( حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) [ سورة البقرة : 214 ] قال ابن جريج : قال ابن أبي مليكة : ذهب بها إلى أنهم ضعفوا فظنوا أنهم أخلفوا .

20025 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله ، أنه قرأ : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، [ ص: 306 ] مخففة . قال عبد الله : هو الذي تكره .

20026 - . . . . قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا سفيان ، عن سليمان ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، أن رجلا سأل عبد الله بن مسعود : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قال : هو الذي تكره ، مخففة .

20027 - . . . . قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، أنه قال في هذه الآية : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قلت : "كذبوا "! قال : نعم ألم يكونوا بشرا؟

20028 - حدثنا الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قال : كانوا بشرا ، قد ظنوا .

قال أبو جعفر : وهذا تأويل وقول ، غيره من التأويل أولى عندي بالصواب ، وخلافه من القول أشبه بصفات الأنبياء والرسل إن جاز أن يرتابوا بوعد الله إياهم ويشكوا في حقيقة خبره ، مع معاينتهم من حجج الله وأدلته ما لا يعاينه المرسل إليهم فيعذروا في ذلك ، فإن المرسل إليهم لأولى في ذلك منهم بالعذر . وذلك قول إن قاله قائل لا يخفى أمره .

وقد ذكر هذا التأويل الذي ذكرناه أخيرا عن ابن عباس لعائشة ، فأنكرته أشد النكرة فيما ذكر لنا .

ذكر الرواية بذلك عنها ، رضوان الله عليها :

20029 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عثمان بن عمر ، قال : حدثنا [ ص: 307 ] ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، قال : قرأ ابن عباس : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، فقال : كانوا بشرا ، ضعفوا ويئسوا قال ابن أبي مليكة : فذكرت ذلك لعروة ، فقال : قالت عائشة : معاذ الله! ما حدث الله رسوله شيئا قط إلا علم أنه سيكون قبل أن يموت ، ولكن لم يزل البلاء بالرسل حتى ظن الأنبياء أن من تبعهم قد كذبوهم . فكانت تقرؤها : "قد كذبوا" تثقلها .

20030 - . . . . قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني ابن أبي مليكة ، أن ابن عباس قرأ : ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، خفيفة ، قال عبد الله : ثم قال لي ابن عباس : كانوا بشرا وتلا ابن عباس : ( حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) ا [ سورة البقرة : 214 ] قال ابن جريج : قال ابن أبي مليكة : يذهب بها إلى أنهم ضعفوا ، فظنوا أنهم أخلفوا . قال ابن جريج : قال ابن أبي مليكة : وأخبرني عروة عن عائشة ، أنها خالفت ذلك وأبته ، وقالت : ما وعد الله محمدا صلى الله عليه وسلم من شيء إلا وقد علم أنه سيكون حتى مات ، ولكنه لم يزل البلاء بالرسل حتى ظنوا أن من معهم من المؤمنين قد كذبوهم . قال ابن أبي مليكة في حديث عروة : كانت عائشة تقرؤها : "وظنوا أنهم قد كذبوا" مثقلة ، للتكذيب .

20031 - . . . . قال : حدثنا سليمان بن داود الهاشمي ، قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، قال : حدثني صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، [ ص: 308 ] عن عائشة قال : قلت لها : قوله : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قال : قالت عائشة : لقد استيقنوا أنهم قد كذبوا . قلت : "كذبوا" . قالت : معاذ الله ، لم تكن الرسل تظن بربها ، إنما هم أتباع الرسل ، لما استأخر عنهم الوحي ، واشتد عليهم البلاء ، ظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم ( جاءهم نصرنا ) .

20032 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم أن يصدقوهم ، وظنت الرسل أن من قد آمن من قومهم قد كذبوهم ، جاءهم نصر الله عند ذلك .

قال أبو جعفر : فهذا ما روي في ذلك عن عائشة ، غير أنها كانت تقرأ : "كذبوا" ، بالتشديد وضم الكاف ، بمعنى ما ذكرنا عنها من أن الرسل ظنت بأتباعها الذين قد آمنوا بهم ، أنهم قد كذبوهم ، فارتدوا عن دينهم ، استبطاء منهم للنصر .

وقد بينا أن الذي نختار من القراءة في ذلك والتأويل غيره في هذا الحرف خاصة .

وقال آخرون ممن قرأ قوله : "كذبوا" بضم الكاف وتشديد الذال : معنى ذلك : حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا بهم ويصدقوهم ، وظنت الرسل ، بمعنى : واستيقنت أنهم قد كذبهم أممهم ، جاءت الرسل نصرتنا . وقالوا : [ ص: 309 ] "الظن" في هذا بمعنى العلم ، من قول الشاعر :


فظنوا بألفي فارس متلبب سراتهم في الفارسي المسرد



ذكر من قال ذلك :

20033 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن وهو قول قتادة : حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم ، وظنوا أنهم قد كذبوا ، أي استيقنوا أنه لا خير عند قومهم ، ولا إيمان ( جاءهم نصرنا ) .

20034 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( حتى إذا استيأس الرسل ) ، قال : من قومهم ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) ، قال : وعلموا أنهم قد كذبوا ( جاءهم نصرنا ) .

قال أبو جعفر : وبهذه القراءة كانت تقرأ عامة قرأة المدينة والبصرة والشأم ، أعني بتشديد الذال من "كذبوا" وضم كافها .

وهذا التأويل الذي ذهب إليه الحسن وقتادة في ذلك ، إذا قرئ بتشديد الذال وضم الكاف ، خلاف لما ذكرنا من أقوال جميع من حكينا قوله من الصحابة لأنه لم يوجه "الظن" في هذا الموضع منهم أحد إلى معنى العلم واليقين ، مع أن "الظن" إنما استعمله العرب في موضع العلم فيما كان من علم أدرك من جهة الخبر أو من غير وجه المشاهدة والمعاينة . فأما ما كان من علم أدرك من وجه المشاهدة والمعاينة ، فإنها لا تستعمل فيه "الظن" لا تكاد تقول : "أظنني حيا ، وأظنني إنسانا" بمعنى : أعلمني إنسانا ، وأعلمني حيا . والرسل الذين كذبتهم أممهم ، لا شك أنها كانت لأممها شاهدة ، ولتكذيبها إياها منها سامعة ، فيقال فيها : ظنت بأممها أنها كذبتها .

وروي عن مجاهد في ذلك قول هو خلاف جميع ما ذكرنا من أقوال الماضين الذين سمينا أسماءهم وذكرنا أقوالهم ، وتأويل خلاف تأويلهم ، وقراءة غير قراءة [ ص: 310 ] جميعهم ، وهو أنه ، فيما ذكر عنه ، كان يقرأ : " وظنوا أنهم قد كذبوا" بفتح الكاف والذال وتخفيف الذال .

ذكر الرواية عنه بذلك :

20035 - حدثني أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا أبو عبيد ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، أنه قرأها : "كذبوا" بفتح الكاف بالتخفيف .

وكان يتأوله كما : -

20036 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : استيأس الرسل أن يعذب قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا ( جاءهم نصرنا ) ، قال : جاء الرسل نصرنا . قال مجاهد : قال في "المؤمن" ( فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم ) ، قال : قولهم : "نحن أعلم منهم ولن نعذب" . وقوله : ( وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ) ، [ سورة غافر : 83 ] ، قال : حاق بهم ما جاءت به رسلهم من الحق .

قال أبو جعفر : وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها ، لإجماع الحجة من قرأة الأمصار على خلافها . ولو جازت القراءة بذلك لاحتمل وجها من التأويل ، وهو أحسن مما تأوله مجاهد ، وهو : حتى إذا استيأس الرسل من عذاب الله قومها المكذبة بها ، وظنت الرسل أن قومها قد كذبوا وافتروا على الله بكفرهم بها ، ويكون "الظن" موجها حينئذ إلى معنى العلم ، على ما تأوله الحسن وقتادة .

وأما قوله : ( فنجي من نشاء ) فإن القرأة اختلفت في قراءته .

فقرأه عامة قرأة أهل المدينة ومكة والعراق : "فننجي من نشاء" مخففة بنونين ، [ ص: 311 ] بمعنى : فننجي نحن من نشاء من رسلنا والمؤمنين بنا ، دون الكافرين الذين كذبوا رسلنا ، إذا جاء الرسل نصرنا .

واعتل الذين قرءوا ذلك كذلك ، أنه إنما كتب في المصحف بنون واحدة ، وحكمه أن يكون بنونين؛ لأن إحدى النونين حرف من أصل الكلمة ، من : "أنجى ينجي" والأخرى "النون" التي تأتي لمعنى الدلالة على الاستقبال ، من فعل جماعة مخبرة عن أنفسها؛ لأنهما حرفان - أعني النونين - من جنس واحد يخفى الثاني منهما عن الإظهار في الكلام ، فحذفت من الخط ، واجتزئ بالمثبتة من المحذوفة ، كما يفعل ذلك في الحرفين اللذين يدغم أحدهما في صاحبه .

وقرأ ذلك بعض الكوفيين على هذا المعنى ، غير أنه أدغم النون الثانية وشدد الجيم .

وقرأه آخر منهم بتشديد الجيم ونصب الياء ، على معنى فعل ذلك به ، من : "نجيته أنجيه" .

وقرأ ذلك بعض المكيين : "فنجا من نشاء" بفتح النون والتخفيف ، من : "نجا ينجو" .

قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك عندنا ، قراءة من قرأه : "فننجي من نشاء" بنونين؛ لأن ذلك هو القراءة التي عليها القرأة في الأمصار ، وما خالفه ممن قرأ ذلك ببعض الوجوه التي ذكرناها ، فمنفرد بقراءته عما عليه الحجة مجمعة من القرأة . وغير جائز خلاف ما كان مستفيضا بالقراءة في قرأة الأمصار .

[ ص: 312 ]

قال أبو جعفر : وتأويل الكلام : فننجي الرسل ومن نشاء من عبادنا المؤمنين إذا جاء نصرنا ، كما : -

20037 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال حدثني عمي : قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "فننجي من نشاء" فننجي الرسل ومن نشاء ( ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ) ، وذلك أن الله تبارك وتعالى بعث الرسل ، فدعوا قومهم ، وأخبروهم أنه من أطاع نجا ، ومن عصاه عذب وغوى .

وقوله : ( ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ) ، يقول : ولا ترد عقوبتنا وبطشنا بمن بطشنا به من أهل الكفر بنا وعن القوم الذين أجرموا ، فكفروا بالله ، وخالفوا رسله وما أتوهم به من عنده .

التالي السابق


الخدمات العلمية