الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ( 4 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره ( وفي الأرض قطع متجاورات ) ، وفي الأرض قطع منها متقاربات متدانيات ، يقرب بعضها من بعض بالجوار ، وتختلف بالتفاضل مع تجاورها وقرب بعضها من بعض ، فمنها قطعة سبخة لا تنبت شيئا في جوار قطعة طيبة تنبت وتنفع .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 331 ]

20067 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد : ( وفي الأرض قطع متجاورات ) قال : السبخة والعذية ، والمالح والطيب .

20068 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، قوله : ( وفي الأرض قطع متجاورات ) قال : سباخ وعذوية .

20069 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .

20070 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا سعيد بن سليمان قال : حدثنا إسحاق بن سليمان ، عن أبي سنان ، عن ابن عباس في قوله : ( وفي الأرض قطع متجاورات ) قال : العذية والسبخة .

20071 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وفي الأرض قطع متجاورات ) يعني الأرض السبخة ، والأرض العذية ، يكونان جميعا متجاورات ، يفضل بعضها على بعض في الأكل .

20072 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : ( قطع متجاورات ) العذية والسبخة ، [ ص: 332 ] متجاورات جميعا ، تنبت هذه ، وهذه إلى جنبها لا تنبت .

20073 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( قطع متجاورات ) طيبها : عذبها ، وخبيثها : السباخ .

20074 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .

20075 - . . . . . . قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

20076 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وفي الأرض قطع متجاورات ) قرى قربت متجاورات بعضها من بعض .

20077 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( وفي الأرض قطع متجاورات ) قال : قرى متجاورات .

20078 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا هشيم ، عن أبي إسحاق الكوفي ، عن الضحاك ، في قوله : ( قطع متجاورات ) قال : الأرض السبخة ، تليها الأرض العذية .

20079 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول ، حدثنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( وفي الأرض قطع متجاورات ) يعني : الأرض السبخة والأرض العذية متجاورات بعضها عند بعض .

20080 - حدثنا الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا إسرائيل ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : ( وفي الأرض قطع متجاورات ) قال : الأرض تنبت حلوا ، والأرض تنبت حامضا ، وهي متجاورة تسقى بماء واحد .

20081 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا إسرائيل ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وفي الأرض قطع متجاورات ) قال : يكون هذا حلوا وهذا حامضا ، وهو يسقى بماء واحد ، وهن متجاورات .

20082 - حدثني عبد الجبار بن يحيى الرملي قال : حدثنا ضمرة بن ربيعة ، عن ابن شوذب في قوله : ( وفي الأرض قطع متجاورات ) قال : عذية ومالحة .

وقوله : ( وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) يقول تعالى ذكره : وفي الأرض مع القطع المختلفات المعاني منها ، بالملوحة والعذوبة ، والخبث والطيب ، مع تجاورها وتقارب بعضها من بعض ، بساتين من أعناب وزرع ونخيل أيضا ، متقاربة في الخلقة مختلفة في الطعوم والألوان ، مع اجتماع جميعها على شرب واحد . فمن طيب طعمه منها حسن منظره طيبة رائحته ، ومن حامض طعمه ولا رائحة له . [ ص: 334 ]

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

20083 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : ( وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان ) قال : مجتمع وغير مجتمع تسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل قال : الأرض الواحدة يكون فيها الخوخ والكمثرى والعنب الأبيض والأسود ، وبعضها أكثر حملا من بعض ، وبعضه حلو ، وبعضه حامض ، وبعضه أفضل من بعض .

20084 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا شبابة ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( وجنات ) قال : وما معها .

20085 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد

20086 - قال المثنى : وحدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

واختلفت القرأة في قراءة قوله : ( وزرع ونخيل ) فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة والكوفة : ( " وزرع ونخيل" ) بالخفض عطفا بذلك على "الأعناب" ، بمعنى : وفي الأرض قطع متجاورات ، وجنات من أعناب ومن زرع ونخيل .

وقرأ ذلك بعض قرأة أهل البصرة : ( وزرع ونخيل ) بالرفع عطفا بذلك على "الجنات" ، بمعنى : وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب ، وفيها أيضا زرع ونخيل .

[ ص: 335 ]

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان متقاربتا المعنى ، وقرأ بكل واحدة منهما قرأة مشهورون ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .

وذلك أن "الزرع والنخيل" إذا كانا في البساتين فهما في الأرض ، وإذا كانا في الأرض فالأرض التي هما فيها جنة ، فسواء وصفا بأنهما في بستان أو في أرض .

وأما قوله : ( ونخيل صنوان وغير صنوان ) .

فإن "الصنوان" جمع "صنو" وهي النخلات يجمعهن أصل واحد ، لا يفرق فيه بين جميعه واثنيه إلا بالإعراب في النون ، وذلك أن تكون نونه في اثنيه مكسورة بكل حال ، وفي جميعه متصرفة في وجوه الإعراب ، ونظيره "القنوان" واحدها "قنو" .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

20087 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن البراء : ( صنوان ) قال : المجتمع ( وغير صنوان ) : المتفرق .

20088 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا الحسين ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : ( صنوان ) : هي النخلة التي إلى جنبها نخلات إلى أصلها ، ( وغير صنوان ) : النخلة وحدها .

20089 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب : ( صنوان وغير صنوان ) قال : "الصنوان" النخلتان أصلهما واحد ، ( وغير صنوان ) النخلة والنخلتان المتفرقتان .

20090 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا [ ص: 336 ] شعبة ، عن أبي إسحاق قال : سمعت البراء يقول في هذه الآية قال : النخلة تكون لها النخلات ( وغير صنوان ) النخل المتفرق .

20091 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا عمرو بن الهيثم أبو قطن ، ويحيى بن عباد وعفان ، واللفظ لفظ أبي قطن قال ، حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن البراء ، في قوله : ( صنوان وغير صنوان ) قال : "الصنوان " : النخلة إلى جنبها النخلات ( وغير صنوان ) : المتفرق .

20092 - حدثنا الحسن قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء في قوله : ( صنوان وغير صنوان ) قال : "الصنوان" النخلات الثلاث والأربع والثنتان أصلهن واحد ( وغير صنوان ) ، المتفرق .

20093 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان وشريك ، عن أبي إسحاق ، عن البراء في قوله : ( صنوان وغير صنوان ) قال : النخلتان يكون أصلهما واحدا ( وغير صنوان ) : المتفرق .

20094 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( صنوان ) يقول : مجتمع .

20095 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( ونخيل صنوان وغير صنوان ) يعني بالصنوان : النخلة يخرج من أصلها النخلات ، فيحمل بعضه ولا يحمل بعضه ، فيكون أصله واحدا ورءوسه متفرقة .

20096 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا إسرائيل ، [ ص: 337 ] عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : ( صنوان وغير صنوان ) النخيل في أصل واحد وغير صنوان : النخيل المتفرق .

20097 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير : ( ونخيل صنوان وغير صنوان ) قال : مجتمع ، وغير مجتمع .

20098 - حدثني المثنى قال : حدثنا النفيلي قال : حدثنا زهير قال : حدثنا أبو إسحاق ، عن البراء قال : "الصنوان" ما كان أصله واحدا وهو متفرق ( وغير صنوان ) : الذي نبت وحده .

20099 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( صنوان ) النخلتان وأكثر في أصل واحد ( وغير صنوان ) وحدها .

20100 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( صنوان ) : النخلتان أو أكثر في أصل واحد ، ( وغير صنوان ) واحدة .

20101 - . . . . . . قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

20102 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك : ( صنوان وغير صنوان ) قال : الصنوان : المجتمع ، أصله واحد ، وغير صنوان : المتفرق أصله .

20103 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم [ ص: 338 ] ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : ( صنوان وغير صنوان ) قال : "الصنوان" المجتمع الذي أصله واحد ( وغير صنوان ) : المتفرق .

20104 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( ونخيل صنوان وغير صنوان ) أما "الصنوان" فالنخلتان والثلاث أصولهن واحدة وفروعهن شتى ، ( وغير صنوان ) ، النخلة الواحدة .

20105 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( صنوان وغير صنوان ) قال : صنوان : النخلة التي يكون في أصلها نخلتان وثلاث أصلهن واحد .

20106 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( ونخيل صنوان وغير صنوان ) قال : "الصنوان" النخلتان أو الثلاث يكن في أصل واحد ، فذلك يعده الناس صنوانا .

20107 - حدثنا ابن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر قال : حدثني رجل : أنه كان بين عمر بن الخطاب وبين العباس قول ، فأسرع إليه العباس ، فجاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، ألم تر عباسا فعل بي وفعل! فأردت أن أجيبه ، فذكرت مكانه منك فكففت : فقال : يرحمك الله ، إن عم الرجل صنو أبيه . [ ص: 339 ]

20108 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : ( ( صنوان ) ) : النخلة التي يكون في أصلها نخلتان وثلاث أصلهن واحد؛ قال : فكان بين عمر بن الخطاب وبين العباس رضي الله عنهما قول ، فأسرع إليه العباس ، فجاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله ألم تر عباسا فعل بي وفعل! فأردت أن أجيبه . فذكرت مكانه منك فكففت عند ذلك ، فقال : يرحمك الله إن عم الرجل صنو أبيه .

20109 - . . . . قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن داود بن شابور ، عن مجاهد : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تؤذوني في العباس فإنه بقية آبائي ، وإن عم الرجل صنو أبيه .

20110 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا حجاج ، عن عطاء ، وابن أبي مليكة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر : يا عمر أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه؟ .

20111 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : أخبرني القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد : ( صنوان ) قال : في أصل واحد ثلاث نخلات ، كمثل ثلاثة بني أم وأب يتفاضلون في العمل ، كما [ ص: 340 ] يتفاضل ثمر هذه النخلات الثلاث في أصل واحد قال ابن جريج : قال مجاهد : كمثل صالح بني آدم وخبيثهم ، أبوهم واحد .

20112 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا حجاج بن محمد ، عن ابن جريج قال : أخبرني إبراهيم بن أبي بكر بن عبد الله ، عن مجاهد ، نحوه .

20113 - حدثني القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن أبي بكر بن عبد الله ، عن الحسن قال : هذا مثل ضربه الله لقلوب بني آدم .

كانت الأرض في يد الرحمن طينة واحدة ، فسطحها وبطحها ، فصارت الأرض قطعا متجاورة ، فينزل عليها الماء من السماء ، فتخرج هذه زهرتها وثمرها وشجرها . وتخرج نباتها وتحيي مواتها ، وتخرج هذه سبخها وملحها وخبثها ، وكلتاهما تسقى بماء واحد .

فلو كان الماء مالحا ، قيل : إنما استسبخت هذه من قبل الماء! كذلك الناس خلقوا من آدم ، فتنزل عليهم من السماء تذكرة ، فترق قلوب فتخشع وتخضع ، وتقسو قلوب فتلهو وتسهو وتجفو .

قال الحسن : والله ما جالس القرآن أحد إلا قام من عنده بزيادة أو نقصان قال الله : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ) [ سورة الإسراء : 82 ] .

وقوله : ( "تسقى بماء واحد " ) اختلفت القرأة في قوله ( تسقى ) .

فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة والعراق من أهل الكوفة والبصرة : ( تسقى ) بالتاء ، بمعنى : تسقى الجنات والزرع والنخيل . وقد كان بعضهم يقول : إنما قيل : ( تسقى ) ، [ ص: 341 ] بالتاء لتأنيث "الأعناب" .

وقرأ ذلك بعض المكيين والكوفيين : ( يسقى ) بالياء .

وقد اختلف أهل العربية في وجه تذكيره إذا قرئ كذلك ، وإنما ذلك خبر عن الجنات والأعناب والنخيل والزرع أنها تسقى بماء واحد .

فقال بعض نحويي البصرة : إذا قرئ ذلك بالتاء ، فذلك على "الأعناب" كما ذكر الأنعام في قوله : ( مما في بطونه ) [ سورة النحل : 66 ] وأنث بعد فقال : ( وعليها وعلى الفلك تحملون ) ، [ سورة المؤمنون : 22 - سورة غافر : 80 ] .

فمن قال : ( يسقى ) بالياء جعل "الأعناب" مما تذكر وتؤنث ، مثل "الأنعام" .

وقال بعض نحويي الكوفة : من قال : ( تسقى ) ذهب إلى تأنيث "الزرع والجنات والنخيل" ومن ذكر ذهب إلى أن ذلك كله يسقى بماء واحد ، وأكله مختلف حامض وحلو ، ففي هذا آية .

قال أبو جعفر : وأعجب القراءتين إلي أن أقرأ بها ، قراءة من قرأ ذلك بالتاء : ( "تسقى بماء واحد" ) على أن معناه : تسقى الجنات والنخل والزرع بماء واحد ، لمجيء ( تسقى ) بعد ما قد جرى ذكرها ، وهي جماع من غير بني آدم ، وليس الوجه الآخر بممتنع على معنى يسقى ذلك بماء واحد ، أي جميع ذلك يسقى بماء واحد عذب دون المالح .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 342 ]

20114 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( " تسقى بماء واحد " ) ماء السماء ، كمثل صالح بني آدم وخبيثهم أبوهم واحد .

20115 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد : ( "تسقى بماء واحد " ) قال : ماء السماء .

20116 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .

20117 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو قال : أخبرنا هشيم ، عن أبي إسحاق الكوفي ، عن الضحاك : ( تسقى بماء واحد ) قال : ماء المطر .

20118 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، قرأه ابن جريج ، عن مجاهد : ( تسقى بماء واحد ) قال : ماء السماء ، كمثل صالح بني آدم وخبيثهم أبوهم واحد .

20119 . . . . . . قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل وحدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .

20120 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، نحوه .

20121 - حدثنا عبد الجبار بن يحيى الرملي قال : حدثنا ضمرة بن ربيعة ، عن ابن شوذب : ( تسقى بماء واحد ) قال : بماء السماء .

[ ص: 343 ] وقوله : ( ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) اختلفت القرأة في قراءة ذلك .

فقرأه عامة قرأة المكيين والمدنيين والبصريين وبعض الكوفيين : ( ونفضل ) ، بالنون بمعنى : ونفضل نحن بعضها على بعض في الأكل .

وقرأته عامة قرأة الكوفيين : ( ويفضل ) بالياء ، ردا على قوله : ( يغشي الليل النهار ) ويفضل بعضها على بعض .

قال أبو جعفر : وهما قراءتان مستفيضتان بمعنى واحد ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . غير أن "الياء" أعجبهما إلي في القراءة؛ لأنه في سياق كلام ابتداؤه : ( الله الذي رفع السماوات ) ، فقراءته بالياء ، إذ كان كذلك أولى .

ومعنى الكلام : إن الجنات من الأعناب والزرع والنخيل الصنوان وغير الصنوان ، تسقى بماء واحد عذب لا ملح ، ويخالف الله بين طعوم ذلك ، فيفضل بعضها على بعض في الطعم ، فهذا حلو وهذا حامض .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

20122 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) قال : الفارسي والدقل ، والحلو والحامض . [ ص: 344 ]

20123 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير : ( ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) قال : الأرض الواحدة يكون فيها الخوخ والكمثرى والعنب الأبيض والأسود ، وبعضها أكثر حملا من بعض ، وبعضه حلو وبعضه حامض ، وبعضه أفضل من بعض .

20124 - حدثني المثنى قال : حدثنا عارم أبو النعمان قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير : ( ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) قال : برني وكذا وكذا ، وهذا بعضه أفضل من بعض .

20125 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : ( ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) قال : هذا حامض ، وهذا حلو ، وهذا مز .

20126 - حدثني محمود بن خداش قال : حدثنا سيف بن محمد بن أخت سفيان الثوري قال : حدثنا الأعمش عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) قال : الدقل والفارسي والحلو والحامض . [ ص: 345 ]

20127 - حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي قال : حدثنا سليمان بن عبد الله الرقي قال : حدثنا عبيد الله بن عمر الرقي ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في قوله : ( ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) قال : الدقل والفارسي والحلو والحامض .

وقوله : ( إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) يقول تعالى ذكره : إن في مخالفة الله عز وجل بين هذه القطع [ من ] الأرض المتجاورات وثمار جناتها وزروعها على ما وصفنا وبينا ، لدليلا واضحا وعبرة لقوم يعقلون اختلاف ذلك ، أن الذي خالف بينه على هذا النحو الذي خالف بينه ، هو المخالف بين خلقه فيما قسم لهم من هداية وضلال وتوفيق وخذلان ، فوفق هذا وخذل هذا ، وهدى ذا وأضل ذا ، [ ص: 346 ] ولو شاء لسوى بين جميعهم ، كما لو شاء سوى بين جميع أكل ثمار الجنة التي تشرب شربا واحدا ، وتسقى سقيا [ واحدا ] ، وهي متفاضلة في الأكل .

التالي السابق


الخدمات العلمية