الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله (تعالى): يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم ؛ إلى قوله (تعالى): أفلا تعقلون ؛ روي عن ابن عباس ؛ والحسن ؛ والسدي أن أحبار اليهود؛ ونصارى نجران اجتمعوا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فتنازعوا في إبراهيم - عليه السلام - فقالت اليهود: ما كان إلا يهوديا؛ وقالت النصارى: ما كان إلا نصرانيا؛ فأبطل الله دعواهم بقوله (تعالى): يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون ؛ فاليهودية والنصرانية حادثتان بعد إبراهيم؛ فكيف يكون يهوديا أو نصرانيا؟ وقد قيل: إنهم سموا بذلك لأنهم من ولد يهوذا؛ والنصارى سموا بذلك لأن أصلهم من ناصرة؛ قرية بالشام؛ ومع ذلك فإن اليهودية ملة محرفة عن ملة موسى - عليه السلام - والنصرانية ملة محرفة عن شريعة عيسى - عليه السلام -؛ فلذلك قال (تعالى): وما أنزلت التوراة والإنجيل [ ص: 298 ] إلا من بعده ؛ فكيف يكون إبراهيم منسوبا إلى ملة حادثة بعده؟! فإن قيل: فينبغي ألا يكون حنيفا مسلما; لأن القرآن نزل بعده؛ قيل له: لما كان معنى "الحنيف": الدين المستقيم; لأن الحنف في اللغة هو الاستقامة؛ والإسلام ههنا هو الطاعة لله (تعالى)؛ والانقياد لأمره؛ وكل واحد من أهل الحق يصح وصفه بذلك؛ فقد علمنا بأن الأنبياء المتقدمين –إبراهيم؛ ومن قبله - قد كانوا بهذه الصفة فلذلك جاز أن يسمى إبراهيم "حنيفا مسلما"؛ وإن كان القرآن نزل بعده; لأن هذا الاسم ليس بمختص بنزول القرآن دون غيره؛ بل يصح صفة جميع المؤمنين به؛ واليهودية والنصرانية صفة حادثة لمن كان على ملة حرفها منتحلوها من شريعة التوراة والإنجيل؛ فغير جائز أن ينسب إليها من كان قبلها؛ وفي هذه الآيات دليل على وجوب المحاجة في الدين؛ وإقامة الحجة على المبطلين؛ كما احتج الله (تعالى) على أهل الكتاب من اليهود والنصارى في أمر المسيح - عليه السلام -؛ وأبطل بها شبهتهم وشغبهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية