الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( فصل في الحرز ) .

                                                                                        هو في اللغة الموضع الحصين يقال أحرزه إذا جعله في الحرز كذا في المغرب وفي الشرع ما يحفظ فيه المال عادة أي المكان الذي يحرز فيه كالدار ، والحانوت ، والخيمة ، والشخص نفسه ، والمحرز ما لا يعد صاحبه مضيعا ثم الإخراج من الحرز شرط عند عامة أهل العلم تخصيصا لآية السرقة به بالإجماع كما نقله ابن المنذر بناء على عدم صحة الخلاف بعدما خصص بمقدار النصاب ( قوله ومن سرق من ذي رحم محرم لا برضاع ومن زوجته وزوجها وسيده وزوجته وزوج سيدته ومكاتبته وختنه وصهره ومن غنم وحمام وبيت أذن في دخوله لم يقطع ) لوجود الشبهة في كل واحد منها أما إذا سرق من قريبه المحرم فللدخول في الحرز مع البسوطة في المال في الأصول ، والفروع ، والمراد من السرقة منه السرقة من بيته أطلقه فشمل ما إذا سرق ماله أو مال غيره ; لأن بيته ليس بحرز في حقه مطلقا واحترز به عما إذا سرق مال محرمه من بيت غيره ، فإنه يقطع لوجود الحرز وينبغي أن لا يقطع لما في القطع من القطيعة فيندرئ كذا في فتح القدير ، وقد يقال ليس القطع حقه ، وإنما هو حق الشرع فلا يكون قطيعة وينبغي أن لا يقطع في الولاد لما ذكرنا من الشبهة في ماله فعدم القطع في الولاد للشبهة لا لعدم الحرز وفي المحارم لعدم الحرز واحترز بقوله لا برضاع عن المحرم الذي محرميته بالرضاع كابن العم الذي هو أخ من الرضاع ، فإنه رحم محرم لا من جهة القرابة ، وإنما محرميته من جهة الرضاع فإذا سرق من بيته قطع كما إذا سرق من الرحم فقط وبه اندفع ما في التبيين من أنه لا حاجة إلى إخراجه ; لأنه لم يدخل في ذي الرحم المحرم . ا هـ .

                                                                                        ظنا منه أنه متعلق بالرحم وليس كذلك بل متعلق بالمحرم كما علمت ، وأما إذا سرق أحد الزوجين من الآخر أو العبد من سيده أو من امرأة سيده أو زوج [ ص: 63 ] سيدته فلوجود الإذن بالدخول عادة فانعدم الحرز أطلق في الزوجين فشمل الزوجية وقت السرقة فقط بأن سرق منها ثم أبانها وانقضت عدتها ثم ترافعا فلا قطع ، والزوجية بعدها كما إذا سرق من أجنبية ثم تزوجها ثم ترافعا فلا قطع ولو بعد القضاء وكذا عكسه لوجود الشبهة قبل الإمضاء وشمل الزوجية من وجه كما إذا سرق من مبتوته في العدة أو سرقت هي منه لوجود الخلطة بخلاف ما إذا سرق منها بعد الانقضاء ، فإنه يقطع .

                                                                                        والحاصل أن في باب السرقة يكتفى بوجود الزوجية في حالة من الأحوال قبل القطع لسقوطه وفي باب الرجوع في الهبة لا بد من قيام الزوجية وقت الهبة فلو حدثت بعدها فالرجوع ثابت وفي الوصية الاعتبار لها حالة الموت لا غير وشمل ما إذا سرق أحدهما من حرز لا يسكنان فيه لوجود البسوطة بينهما في الأموال عادة ، والعبد في هذا ملحق بمولاه حتى لا يقطع في سرقة لا يقطع فيها لا مولى كالسرقة من أقارب المولى وغيرهم ; لأنه مأذون له بالدخول عادة في بيت مولاه لإقامة المصالح وأطلقه فشمل القن ، والمكاتب ; لأنه قن ما بقي عليه من درهم ، والمأذون له في التجارة ، وأما إذا سرق من مكاتبه ، فإن له حقا في إكسابه ولذا لا يجوز له أن يتزوج أمة مكاتبه .

                                                                                        وأما إذا سرق من ختنه ومن صهره فالمذكور هنا قول الإمام وعندهما يقطع ; لأنه لا شبهة في ملك الختن ; لأنها تكون بالقرابة ولا قرابة وله أن العادة قد جرت بالبسوطة في دخول بعضهم منازل بعض بلا استئذان فتمكنت الشبهة في الحرز ، والمحرمية بالمصاهرة كالمحرمية بالرضاع وعلى هذا الخلاف إذا سرق من كل من يحرم عليه بالمصاهرة ومحل الاختلاف ما إذا لم يجمعهما منزل واحد أما إذا جمعهما منزل واحد فلا قطع اتفاقا كذا في شرح الطحاوي وسيأتي في باب الوصية للأقارب وغيرهم أن الأصهار كل ذي رحم محرم من امرأته ، والأختان زوج كل ذي رحم محرم منه ، وأما إذا سرق من المغنم ، فإن له فيه نصيبا كما أفتى به علي رضي الله عنه مع أن المصنف قد قدم أنه لا قطع في المال المشترك فالظاهر من إعادته أنه لا قطع ، وإن لم يكن له حق في الغنيمة وبحث في غاية البيان بأنه ينبغي أن يكون المراد من السارق من الغنيمة من له نصيب في الغنيمة في الأربعة الأخماس أو في الخمس كالغانمين أو اليتامى ، والمساكين أما غيرهم فلا نصيب له في الغنيمة فينبغي أن يقطع بخلاف السارق من بيت المال ، فإنه معد لمصالح عامة المسلمين وهو منهم إلا أن يقال : إن مال الغنيمة مال مباح في الأصل فلا قطع بسرقته حيث كان على صورته ولم يتغير وسواء كان السارق حرا أو عبدا .

                                                                                        وأما إذا سرق من الحمام أو بيت أذن للناس في الدخول فيه فلاختلال الحرز بالإذن في الدخول أطلقه فشمل ما إذا سرق من الحمام وصاحبه عنده أو المسروق تحته بخلاف ما إذا سرق من المسجد وصاحبه عنده ، فإنه يقطع ، والفرق على الظاهر أن الحمام بني للإحراز فكان حرزا فلا يعتبر الحافظ كالبيت بخلاف المسجد ; لأنه ما بني لإحراز الأموال فلم يكن محرزا بالمكان فيعتبر الحافظ كالطريق ، والصحراء وشمل ما إذا سرق من الحمام في وقت لم يؤذن للناس في الدخول فيها كالليل ، والمنقول في التبيين أنه يقطع بخلاف المسجد لا يقطع مطلقا وأطلق في المأذون للناس في دخوله فشمل حوانيت التجار ، والخانات إلا إذا سرق منه ليلا ; لأنها بنيت لإحراز الأموال ، وإنما الإذن يختص بالنهار كذا في الهداية وفي قوله للناس إشارة إلى أنه لو أذن لجماعة مخصوصين بالدخول فدخل واحد غيرهم وسرق ، فإنه يقطع ولم أره صريحا ، وقد قدم المصنف أنه لا بد من الإحراز بمكان أو حافظ قال الطحاوي في كتابه حرز كل شيء معتبر بحرز مثله حتى إذا سرق دابة من إصطبل يقطع ولو سرق لؤلؤة من إصطبل لا يقطع وذكر الكرخي في كتابه أن ما كان حرز النوع فهو حرز للأنواع كلها قال شمس الأئمة السرخسي وهذا هو المذهب عندنا ، والقفاف لا يقطع وهو الذي يعطى الدراهم [ ص: 64 ] لينظر إليها فيأخذ منها وصاحبها لا يعلم ، والفشاش وهو ما يهيئ لغلق البيت ما يفتحه به إذا فش نهارا وليس في البيت ولا في الدار أحد وأخذ المتاع لا يقطع ، وإن كان فيها أحد من أهلها فأخذ المتاع وهو لا يعلم قطع وفي الحاوي إذا كان باب الدار مردودا غير مغلق فدخلها السارق خفية وأخذ المتاع قطع ولو كان باب الدار مفتوحا فدخل نهارا وسرق لا يقطع ولو سرق من السطح ثيابا تساوي نصابا يقطع ; لأنه حرز ، وإذا سرق ثوبا بسط على حائط في السكة لا يقطع وكذلك لو سرق ثوبا بسط على خص إلى السكة ، وإن بسط على الحائط إلى الدار أو على الخص إلى السطح قطع كذا في الظهيرية . ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( فصل في الحرز ) .

                                                                                        ( قوله : ثم الإخراج من الحرز شرط إلخ ) حاصل كلامه على ما يفهم من الفتح أن الإجماع منعقد على اعتبار الحرز وأن من نقل عنه خلاف ذلك لم يثبت عنه ، والآية وإن كانت قطعية لكن ثبت تخصيصها بمقدار النصاب فجاز تخصيصها بعد ذلك بما هو من الأمور الإجماعية وأخبار الآحاد ونحوها فقوله بناء قيد لنقل ابن المنذر الإجماع وقوله بعض ما خصص متعلق بقوله تخصيصا وقوله به بالإجماع متعلقان بتخصيص أيضا لكن الباء في بالإجماع للسبية ( قوله : أما إذا سرق من قريبه المحرم إلخ ) قال البرجندي الظاهر أنه لا دخل للقرابة ، وإنما المعتبر الحرز ففي كل موضع كان له أن يدخل فيه بلا مانع ولا حشمة لا يقطع سواء كان بينهما قرابة أو لا ولهذا لا يقطع لو سرق من بيت ذي الرحم المحرم متاع غيره قال الحموي وفيه نظر ، فإن الصديقين يدخل أحدهما بيت الآخر بلا مانع ولا حشمة مع أنه يقطع إذا سرق من بيت صديقه فظهر أن للقرابة يعني المؤبدة بالمحرمية مدخلا ويدل على ذلك تعليلهم المسألة بأن القطع يفضي إلى قطيعة الرحم وأقول : هذا لا يرد على البرجندي ; لأن الصديق ، وإن كان يدخل محل صديقه بلا مانع ولا حشمة لكن لزمه القطع للسرقة من بيت لم يؤذن له في دخوله حتى لو سرق من المحل الذي جرت عادته بدخوله لم يقطع كذا في حاشية أبي السعود ( قوله : وقد يقال ليس القطع حقه إلخ ) قال في النهر أنت خبير بأن هذا مشترك الإلزام إذ يجوز أن يقال بالقطع فيما إذا سرق من بيت ذي الرحم المحرم ولا يلزم القطيعة ; لأنه حق الله تعالى . ا هـ .

                                                                                        وقد يقال إنه ، وإن لم يلزم ذلك هناك لكن عدم الحرز مانع من القطع ولو كان غير محرم فتدبر .

                                                                                        ( قوله وبه اندفع ما في التبيين إلخ ) سبقه إلى هذا العيني وتبعه في النهر وغيره وهذا غفلة منهم عن عبارة الزيلعي ، فإن نسخة الكنز التي شرح عليها بلفظ ذي رحم محرم منه ومثلها عبارة الهداية فقوله منه قيد للمحرم وضميره لرحم أي محرم من الرحم فخرج به ابن العم الذي هو أخ من الرضاع ; لأنه محرم من الرضاع لا من الرحم فقوله بلا رضاع لم يفد [ ص: 63 ] شيئا فافهم ( قوله : والمحرمية بالمصاهرة كالمحرمية بالرضاع ) انظر ما معنى هذا الكلام هنا ، فإن المحرم بالرضاع يقطع كما تقدم .




                                                                                        الخدمات العلمية