الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى ذلك .

فقال بعضهم : معناه : ( وهم يكفرون بالرحمن ) ، ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ) ، أي : يكفرون بالله ولو سير لهم الجبال بهذا القرآن . وقالوا : هو من المؤخر الذي معناه التقديم ، وجعلوا جواب "لو" مقدما قبلها ، وذلك أن الكلام [ ص: 447 ] على معنى قيلهم : ولو أن هذا القرآن سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض ، لكفروا بالرحمن .

ذكر من قال ذلك :

20399 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ) قال : هم المشركون من قريش ، قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لو وسعت لنا أودية مكة ، وسيرت جبالها ، فاحترثناها ، وأحييت من مات منا ، وقطع به الأرض ، أو كلم به الموتى! فقال الله تعالى : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا ) .

20400 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ) ، قول كفار قريش لمحمد : سير جبالنا تتسع لنا أرضنا فإنها ضيقة ، أو قرب لنا الشأم فإنا نتجر إليها ، أو أخرج لنا آباءنا من القبور نكلمهم! فقال الله تعالى ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ) .

20401 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .

20402 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، نحوه قال ابن جريج : وقال عبد الله بن كثير قالوا : لو فسحت عنا الجبال ، أو أجريت لنا الأنهار ، أو كلمت به الموتى! فنزل ذلك . قال ابن جريج : وقال ابن عباس : قالوا : سير بالقرآن الجبال ، قطع بالقرآن الأرض ، أخرج به موتانا .

[ ص: 448 ] 20403 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن كثير : قالوا : لو فسحت عنا الجبال ، أو أجريت لنا الأنهار ، أو كلمت به الموتى! فنزل : ( أفلم ييأس الذين آمنوا ) .

وقال آخرون : بل معناه : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ) كلام مبتدأ منقطع عن قوله : ( وهم يكفرون بالرحمن ) . قال : وجواب "لو" محذوف استغني بمعرفة السامعين المراد من الكلام عن ذكر جوابها . قالوا : والعرب تفعل ذلك كثيرا ، ومنه قول امرئ القيس :


فلو أنها نفس تموت سريحة ولكنها نفس تقطع أنفسا

وهو آخر بيت في القصيدة ، فترك الجواب اكتفاء بمعرفة سامعه مراده ، وكما قال الآخر :


فأقسم لو شيء أتانا رسوله     سواك ولكن لم نجد لك مدفعا



ذكر من قال نحو معنى ذلك :

[ ص: 449 ] 20404 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ) ، ذكر لنا أن قريشا قالوا : إن سرك يا محمد ، اتباعك - أو : أن نتبعك - فسير لنا جبال تهامة ، أو زد لنا في حرمنا حتى نتخذ قطائع نخترف فيها ، أو أحي لنا فلانا وفلانا! ناسا ماتوا في الجاهلية . فأنزل الله : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ) ، يقول : لو فعل هذا بقرآن قبل قرآنكم لفعل بقرآنكم .

20405 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : أن كفار قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : أذهب عنا جبال تهامة حتى نتخذها زرعا فتكون لنا أرضين ، أو أحي لنا فلانا وفلانا يخبروننا : حق ما تقول؟ فقال الله : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا ) ، يقول : لو كان فعل ذلك بشيء من الكتب فيما مضى كان ذلك .

20406 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ) ، الآية ، قال : قال كفار قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم : سير لنا الجبال كما سخرت لداود ، أو قطع لنا الأرض كما قطعت لسليمان ، فاغتدى بها شهرا وراح بها شهرا ، أو كلم لنا الموتى كما كان عيسى يكلمهم ، يقول : لم أنزل بهذا كتابا ، ولكن كان شيئا أعطيته أنبيائي ورسلي .

20407 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في [ ص: 450 ] قوله : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ) ، الآية ، قال : قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إن كنت صادقا فسير عنا هذه الجبال واجعلها حروثا كهيئة أرض الشأم ومصر والبلدان ، أو ابعث موتانا فأخبرهم فإنهم قد ماتوا على الذي نحن عليه! فقال الله : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ) ، لم يصنع ذلك بقرآن قط ولا كتاب ، فيصنع ذلك بهذا القرآن .

التالي السابق


الخدمات العلمية