الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ دمي ]

                                                          دمي : الدم من الأخلاط : معروف . قال أبو الهيثم : الدم اسم على حرفين ، قال الكسائي : لا أعرف أحدا يثقل الدم ; فأما قول الهذلي :


                                                          وتشرق من تهمالها العين بالدم



                                                          مع قوله : فالعين دائمة السجم ، فهو على أنه ثقل في الوقف فقال الدم فشدد ، ثم اضطر فأجرى الوصل مجرى الوقف ; كما قال :


                                                          ببازل وجناء أو عيهل



                                                          قال ابن سيده : ولا يجوز لأحد أن يقول إن الهذلي إنما قال بالدم ، بالتخفيف ، لأن القصيدة من الضرب الأول من الطويل ; وأولها :


                                                          أرقت لهم ضافني بعد هجعة     على خالد ، فالعين دائمة السجم



                                                          فقوله : مة السجم مفاعيلن ، وقوله : ن بالدم مفاعيلن ، ولو قال : ن بالدم لجاء مفاعلن وهو لا يجيء مع مفاعيلن ، وتثنيته دمان ودميان ; قال الشاعر :


                                                          لعمرك إنني و أبا رباح     على طول التجاور منذ حين
                                                          ليبغضني وأبغضه وأيضا     يراني دونه ، وأراه دوني
                                                          فلو أنا على حجر ذبحنا     جرى الدميان بالخبر اليقين



                                                          فثناه بالياء ، وأما الدموان فشاذ سماعا . قال : وتزعم العرب أن الرجلين المتعاديين إذا ذبحا لم تختلط دماؤهما . قال : وقد يقال دموان على المعاقبة ، وهي قليلة لأن أكثر حكم المعاقبة إنما هو قلب الواو لأنهم إنما يطلبون الأخف ، والجمع دماء ودمي . والدمة أخص من الدم كما قالوا بياض وبياضة ; وقال ابن سيده : القطعة من الدم دمة واحدة . قال : وحكى ابن جني دم ودمة مع كوكب وكوكبة فأشعر أنها لغتان . وقال أبو إسحاق : أصله دمي ، قال : ودليل ذلك قوله دميت يده ; وقوله :


                                                          جرى الدميان بالخبر اليقين



                                                          ويقال في تصريفه : دميت يدي تدمى دمى ، فيظهرون في دميت وتدمى الياء والألف اللتين لم يجدوهما في دم ، قال : ومثله يد أصلها يدي ; قال ابن سيده : وقال قوم أصله دمي إلا أنه لما حذف ورد إليه ما حذف منه حركت الميم لتدل الحركة على أنه استعمل محذوفا . الجوهري : قال سيبويه : الدم أصله دمي على فعل ، بالتسكين ، لأنه يجمع على دماء ودمي مثل ظبي وظباء وظبي ، ودلو ودلاء ودلي ، قال : ولو كان مثل قفا وعصا لم يجمع على ذلك . قال ابن بري : قوله في فعول إنه مختص بجمع فعل نحو دم ودمي ودلو ودلي ليس بصحيح ، بل فقد يكون جمعا لفعل نحو عصا وعصي وقفا وقفي وصفا وصفي . قال الجوهري : الدم أصله دمو ، بالتحريك ، وإنما قالوا دمي يدمى لحال الكسرة التي قبل الواو كما قالوا رضي يرضى وهو من الرضوان . قال ابن بري : الدم لامه ياء بدليل قول الشاعر :


                                                          جرى الدميان بالخبر اليقين



                                                          قال الجوهري : وقال المبرد أصله فعل وإن جاء جمعه مخالفا لنظائره ، والذاهب منه الياء ، والدليل عليها قولهم في تثنيته دميان ، ألا ترى أن الشاعر لما اضطر أخرجه على أصله فقال :


                                                          فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا     ولكن على أعقابنا يقطر الدما



                                                          فأخرجه على الأصل . قال : ولا يلزم على هذا قولهم يديان ، وإن اتفقوا على أن تقدير يد فعل ساكنة العين ، لأنه إنما ثني على لغة من يقول لليد يدا ، قال : وهذا القول أصح . قال ابن بري : قائل فلسنا على الأعقاب هو الحصين ابن الحمام المري ; قال : ومثله قول جرير :


                                                          عوى ما عوى من غير شيء رميته     بقارعة أنفاذها تقطر الدما



                                                          قال : أنفاذها جمع نفذ من قول قيس بن الخطيم :


                                                          لها نفذ لولا الشعاع أضاءها



                                                          وقال اللعين المنقري :


                                                          وأخذل خذلانا بتقطيعي الصوى     إليك ، وخف راعف يقطر الدما



                                                          قال : ومثله قول علي - كرم الله وجهه :


                                                          لمن راية سوداء يخفق ظلها     إذا قيل : قدمها حضين ، تقدما
                                                          ويوردها للطعن ، حتى يعلها     حياض المنايا تقطر الموت والدما



                                                          وتصغير الدم دمي ، والنسبة إليه دمي ، وإن شئت دموي . ويقال : دمي الشيء يدمى دمى ودميا فهو دم ، مثل فرق يفرق فرقا فهو فرق ، والمصدر متفق عليه أنه بالتحريك وإنما اختلفوا في الاسم . وأدميته ودميته تدمية إذا ضربته حتى خرج منه دم . قال ابن سيده : وقد دمي دمى وأدميته ودميته ; أنشد ثعلب قول رؤبة :


                                                          فلا تكوني ، يا ابنة الأشم     ورقاء دمى ذئبها المدمي



                                                          ثم فسره فقال : الذئب إذا رأى لصاحبه دما أقبل عليه ليأكله فيقول : لا تكوني أنت مثل ذلك الذئب ; ومثله قول الآخر :


                                                          وكنت كذئب السوء لما رأى دما     بصاحبه يوما ، أحال على الدم



                                                          وفي المثل : ولدك من دمى عقبيك . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - أنه قال لأبي مريم الحنفي : لأنا أشد بغضا لك من الأرض للدم ; يعني أن الدم لا تشربه الأرض ولا يغوص فيها فجعل امتناعها منه بغضا مجازا . ويقال : إن أبا مريم كان قتل أخاه زيدا يوم اليمامة . والدامية من الشجاج : التي دميت ولم يسل بعد منها دم ، والدامعة هي التي يسيل منها الدم . وفي حديث زيد بن ثابت : في الدامية بعير ; الدامية : شجة تشق الجلد حتى يظهر منها الدم ، فإن قطر منها فهي دامعة . واستدمى الرجل : طأطأ رأسه يقطر منه الدم . الأصمعي : المستدمي [ ص: 306 ] الذي يقطر من أنفه الدم المطأطئ رأسه ، والمستدمي الذي يستخرج من غريمه دينه بالرفق . وفي حديث العقيقة : يحلق من رأسه ويدمى ، وفي رواية : ويسمى . وكان قتادة إذا سئل عن الدم كيف يصنع به ؟ قال : إذا ذبحت العقيقة أخذت منها صوفة واستقبلت بها أوداجها ، ثم توضع على يافوخ الصبي ليسيل على رأسه مثل الخيط ، ثم يغسل رأسه بعد ويحلق ; قال ابن الأثير : أخرجه أبو داود في السنن وقال هذا وهم من همام ، وجاء بتفسيره عن قتادة وهو منسوخ ، وكان من فعل الجاهلية ، وقال : ويسمى أصح . قال الخطابي : إذا كان أمرهم بإماطة الأذى اليابس عن رأس الصبي فكيف يأمرهم بتدمية رأسه والدم نجس نجاسة غليظة ؟ وفي الحديث : أن رجلا جاء ومعه أرنب فوضعها بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال إني وجدتها تدمى أي أنها ترى الدم ، وذلك لأن الأرنب تحيض كما تحيض المرأة . والمدمى : الثوب الأحمر . والمدمى : الشديد الشقرة . وفي التهذيب : من الخيل الشديد الحمرة شبه لون الدم . وكل شيء في لونه سواد وحمرة فهو مدمى . وكل أحمر شديد الحمرة فهو مدمى . ويقال : كميت مدمى ; قال طفيل :


                                                          وكمتا مدماة كأن متونها     جرى فوقها ، واستشعرت لون مذهب



                                                          يقول : تضرب حمرتها إلى الكلفة ليست بشديدة الحمرة . قال أبو عبيدة : كميت مدمى إذا كان سواده شديد الحمرة إلى مراقه . والأشقر المدمى : الذي لون أعلى شعرته يعلوها صفرة كلون الكميت الأصفر . والمدمى من الألوان : ما كان فيه سواد . والمدمى من السهام : الذي ترمي به عدوك ثم يرميك به ; وكان الرجل إذا رمى العدو بسهم فأصاب ثم رماه به العدو وعليه دم جعله في كنانته تبركا به . ويقال : المدمى السهم الذي يتعاوره الرماة بينهم وهو راجع إلى ما تقدم . وفي حديث سعد قال : رميت يوم أحد رجلا بسهم فقتلته ثم رميت بذلك السهم أعرفه حتى فعلت ذلك وفعلوه ثلاث مرات ، فقلت : هذا سهم مبارك مدمى فجعلته في كنانتي ، فكان عنده حتى مات ; المدمى من السهام : الذي أصابه الدم فحصل في لونه سواد وحمرة مما رمي به العدو ; قال : ويطلق على ما تكرر به الرمي ، والرماة يتبركون به ; وقال بعضهم : هو مأخوذ من الدامياء وهي البركة ; قال شمر : المدمى الذي يرمي به الرجل العدو ثم يرميه العدو بذلك السهم بعينه . قال : كأنه دمي بالدم حين وقع بالمرمي . والمدمى السهم الذي عليه حمرة الدم وقد جسد به حتى يضرب إلى السواد . ويقال : سمي مدمى لأنه احمر من الدم . وفي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيعة الأنصار - رضي الله عنهم : أن الأنصار لما أرادوا أن يبايعوه بيعة العقبة بمكة قال أبو الهيثم بن التيهان إن بيننا وبين القوم حبالا ونحن قاطعوها ، ونخشى إن الله أعزك وأظهرك أن ترجع إلى قومك ، فتبسم النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال : بل الدم الدم والهدم الهدم ، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم ، ورواه بعضهم : بل اللدم اللدم والهدم الهدم ، فمن رواه بل الدم الدم فإن ابن الأعرابي قال : العرب تقول دمي دمك وهدمي هدمك في النصرة ، أي إن ظلمت فقد ظلمت ; وأنشد للعقيلي :


                                                          دما طيبا يا حبذا أنت من دم !



                                                          قال أبو منصور : وقال الفراء العرب تدخل الألف واللام اللتين للتعريف على الاسم فتقومان مقام الإضافة كقول الله - عز وجل : فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى ; أي أن الجحيم مأواه ; وكذلك قوله : فإن الجنة هي المأوى ; المعنى فإن الجنة مأواه ، وقال الزجاج : معناه فإن الجنة هي المأوى له ، قال : وكذلك هذا في كل اسمين يدلان على مثل هذا الإضمار ، فعلى قول الفراء قوله الدم الدم أي دمكم دمي وهدمكم هدمي وأنتم تطلبون بدمي وأطلب بدمكم ودمي ودمكم شيء واحد ، وأما من رواه بل اللدم اللدم والهدم الهدم فكل منهما مذكور في بابه . وفي حديث ثمامة بن أثال : إن تقتل تقتل ذا دم ، أي من هو مطالب بدم أو صاحب دم مطلوب ، ويروى : ذا ذم ، بالذال المعجمة ، أي ذمام وحرمة في قومه ، وإذا عقد ذمة وفي له . وفي حديث قتل كعب بن الأشرف : إني لأسمع صوتا كأنه صوت دم ، أي صوت طالب دم يستشفي بقتله . وفي حديث الوليد بن المغيرة : والدم ما هو بشاعر ، يعني النبي - صلى الله عليه وسلم ; هذه يمين كانوا يحلفون بها في الجاهلية يعني دم ما يذبح على النصب . ومنه الحديث : لا والدماء ، أي دماء الذبائح ، ويروى : لا والدمى ، جمع دمية وهي الصورة ويريد بها الأصنام . والدم : السنور ; حكاه النضر في كتاب الوحوش ; وأنشد كراع :


                                                          كذاك الدم يأدو للعكابر



                                                          العكابر : ذكور اليرابيع . ورجل دامي الشفة : فقير ; عن أبي العميثل الأعرابي . ودم الغزلان : بقلة لها زهرة حسنة . وبنات دم : نبت . والدمية : الصنم ، وقيل : الصورة المنقشة العاج ونحوه ، وقال كراع : هي الصورة فعم بها . ويقال للمرأة : الدمية ، يكنى عن المرأة بها ، عربية ، وجمع الدمية دمى ; وقول الشاعر :


                                                          والبيض يرفلن في الدمى     والريط والمذهب المصون



                                                          يعني ثيابا فيها تصاوير ; قال ابن بري : الذي في الشعر كالدمى ، والبيض منصوب على العطف على اسم إن في البيت قبله ، وهو :


                                                          إن شواء ونشوة     وخبب البازل الأمون



                                                          ودمى الراعي الماشية : جعلها كالدمى ; وأنشد أبو العلاء :


                                                          صلب العصا برعيه دماها     يود أن الله قد أفناها



                                                          أي أرعاها فسمنت حتى صارت كالدمى ، وفي صفته - صلى الله عليه وسلم : كأن عنقه عنق دمية ; الدمية : الصورة المصورة لأنها يتنوق في صنعتها ويبالغ في تحسينها . وخذ ما دمى لك أي ظهر لك . ودمى له في كذا وكذا إذا قرب ; كلاهما عن ثعلب . الليث : وبقلة لها زهرة يقال لها دمية الغزلان . وساتي دما : اسم جبل . يقال : سمي بذلك لأنه ليس من يوم إلا ويسفك عليه دم كأنهما اسمان جعلا اسما واحدا ; وأنشد [ ص: 307 ] سيبويه لعمرو بن قميئة :


                                                          لما رأت ساتي دما استعبرت     لله در ، اليوم ، من لامها !



                                                          وقال الأعشى :


                                                          وهرقلا ، يوم ذي ساتي دما     من بني برجان ذي البأس رجح



                                                          وقد حذف يزيد بن مفرغ الحميري منه الميم بقوله :


                                                          فدير سوى فساتي دا فبصرى



                                                          ودم الأخوين : العندم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية