الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        [ ص: 123 ] ( 2 ) باب ما يجوز في القراض

                                                                                                                        1361 - قال مالك : وجه القراض المعروف الجائز ، أن يأخذ الرجل المال من صاحبه ، على أن يعمل فيه ، ولا ضمان عليه ، ونفقة العامل في المال ، في سفره من طعامه وكسوته ، وما يصلحه بالمعروف ، بقدر المال إذا شخص في المال ، إذا كان المال يحمل ذلك ، فإن كان مقيما في أهله ، فلا نفقة له من المال ، ولا كسوة .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        30717 - قال أبو عمر : أما قوله في وجه القراض الجائز المعروف أن يأخذ الرجل من الرجل المال على أن يعمل فيه ، ولا ضمان عليه .

                                                                                                                        [ ص: 124 ] 30718 - ولا خلاف بين العلماء أن المقارض مؤتمن ، لا ضمان عليه ، فيما يتلفه من المال من غير جناية منه فيه ولا استهلاك له ، ولا تضييع ، هذه سبيل الأمانة ، وسبيل الأمناء .

                                                                                                                        30719 - وكذلك أجمعوا أن القراض لا يكون إلا على جزء معلوم من الربح نصفا كان ، أو أقل أو أكثر .

                                                                                                                        30720 - ذكر عبد الرزاق ، عن قيس بن الربيع ، عن أبي حصين ، عن الشعبي ، عن علي - رضي الله عنه - قال في المضاربة : الوضيعة على رب المال ، والربح على ما اصطلحوا عليه .

                                                                                                                        30721 - ورواه الثوري ، عن أبي حصين ، عن علي .

                                                                                                                        30722 - وروي ذلك عن قتادة ، وابن سيرين ، وأبي قلابة ، وجابر بن زيد ، وجماعة .

                                                                                                                        30723 - ولا أعلم فيه خلافا إلا أن يشترط رب المال على العامل الضمان فإن اشترط ذلك عليه :

                                                                                                                        [ ص: 125 ] 30724 - فقال مالك : لا يجوز ذلك القراض ، ويرد إلى قراض مثله .

                                                                                                                        30725 - وقد روي عنه : إلى أجرة مثله .

                                                                                                                        30726 - وهو قول الشافعي .

                                                                                                                        30727 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : المقارضة جائزة ، والشرط باطل .

                                                                                                                        30728 - وأما قوله : " ونفقة العامل من المال في سفره . . إلى آخر كلامه " ، فإن الفقهاء اختلفوا في ذلك :

                                                                                                                        30729 - فقال مالك ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما : ينفق العامل من المال إذا سافر ولا يكون حاضرا ، إلا مالكا قال : إذا كان المال كثيرا ، فحمل ذلك ونحو ذلك .

                                                                                                                        30730 - وقال الثوري : ينفق ذاهبا ولا ينفق راجعا .

                                                                                                                        30731 - وقال الليث بن سعد : يتغذى في المصر ، ولا يتعشى .

                                                                                                                        30732 - وقال الشافعي : لا ينفق في سفره ، ولا في حضره إلا بإذن رب المال .

                                                                                                                        30733 - وقال أصحابه : في المسألة ثلاثة أقوال :

                                                                                                                        [ ص: 126 ] ( أحدها ) : هذا .

                                                                                                                        ( والآخر ) : مثل قول مالك .

                                                                                                                        ( والآخر ) : ينفق في المصر بقدر ما بين نفقة السفر والحضر .

                                                                                                                        30734 - وله في قرض نفقته قولان :

                                                                                                                        ( أحدهما ) : أنه يقرض له النفقة .

                                                                                                                        ( والثاني ) : لا يقرض له ، وينفق هو .

                                                                                                                        30735 - والمشهور عن الشافعي : أنه لا ينفق في الحضر .

                                                                                                                        30736 - وهو قول مالك ، وأبي حنيفة ، والثوري .

                                                                                                                        30737 - وقال ابن القاسم : إذا كان للعامل في القراض أهل في البلد الذي يسافر إليه ، فلا نفقة له في ذهابه ، ولا رجوعه .

                                                                                                                        30738 - وقال أشهب : له النفقة في ذهابه ، ورجوعه ، ولا نفقة له في مقامه عند أهله .

                                                                                                                        30739 - ولم يختلف قولهما أنه لا نفقة له إذا كان مقيما في أهله .

                                                                                                                        30740 - وهو قول مالك .

                                                                                                                        [ ص: 127 ] 30741 - وقال ابن المواز : قال لي عبد الله بن عبد الحكم في الذي يأخذ المال ببلده ، وهو يريد الخروج إلى بلد آخر في حاج ، ويريد بذلك المال ، قال : أحب إلينا أن لا تكون له نفقة كالذي يكون بغير بلده ، فيتجهز يريد الرجوع إلى بلده ، فأعطاه رجل مالا قراضا ، فإنه لا نفقة له فيه ، وإنما النفقة للذي يخرج من أجل القراض خاصة ، وكالذي يخرج إلى الحج أنه لا نفقة له .

                                                                                                                        30742 - قال ابن المواز : وروى ابن القاسم عن مالك في التاجر له المال ويأخذ مالا قراضا ، ويخرج في السفر أنه يلزم القراض حصته من نفقة العامل .

                                                                                                                        30743 - وقال قتادة : النفقة في الربح ، والربح على ما اصطلحوا عليه ، والوضيعة في المال .

                                                                                                                        30744 - وقال ابن سيرين : ما أنفق المضارب على نفسه ، فهو دين عليه .

                                                                                                                        30745 - وقال إبراهيم : يأكل ويلبس بالمعروف .

                                                                                                                        وقال الحسن : يأكل بالمعروف .

                                                                                                                        [ ص: 128 ] 30745 م - قال أبو عمر : القياس عندي ألا يأكل المقارض في سفر ، ولا حضر ولا على أنه لا يجوز القراض على جزء مجهول من الربح ، وهو إذا أطلق له الإنفاق لم تكن له حصته من الربح ، ولا حصة ربح المال معلومة ، وأيضا فإنه ربما اغترفت النفقة كثيرا من المال ، ولم يكن ربح .

                                                                                                                        30746 - ولما أجمع الجمهور أنه لا ينفق في الحضر ، وهو يتعب في الشراء ، والبيع ، وينصب ، كان كذلك في السفر ، والله أعلم .




                                                                                                                        الخدمات العلمية