الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 360 ] 275 - باب بيان مشكل ما روي عن علي رضي الله عنه أو عن أبي ذر مما نحيط علما أنه لم يأخذه إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرادين بقول الله عز وجل هذان خصمان اختصموا في ربهم إلى وهدوا إلى صراط الحميد .

حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا يوسف بن يعقوب السدوسي صاحب السلعة ، قال : حدثنا التيمي ، عن أبي مجلز ، عن قيس بن عباد ، قال : قال : علي رضي الله عنه فينا نزلت هذه الآية في مبارزي يوم بدر هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار } .

[ ص: 361 ] حدثنا حسين بن نصر ، قال : سمعت يزيد بن هارون ، قال : حدثنا سليمان التيمي ، عن أبي مجلز ، عن قيس بن عباد ، قال : تبارز حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة فنزلت فيهم هذان خصمان اختصموا في ربهم } .

حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي هاشم ، عن أبي مجلز ، عن قيس بن عباد ، قال : سمعت أبا ذر يقسم بالله عز وجل قسما لنزلت هذه الآية في ستة من قريش حمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث وعتبة بن ربيعة - وشيبة بن ربيعة - والوليد بن عتبة هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار الآية ، والآية الأخرى إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار } الآية .

[ ص: 362 ] وحدثنا صالح بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا هشيم بن بشير ، قال : أخبرنا أبو هاشم ، عن أبي مجلز ، عن قيس بن عباد ، قال : سمعت أبا ذر يقسم بالله إن هذه الآية هذان خصمان اختصموا في ربهم نزلت في الذين برزوا يوم بدر الثلاثة ، والثلاثة : حمزة بن عبد المطلب - وعلي بن أبي طالب - وعبيدة بن الحارث بن المطلب وعتبة - وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة .

[ ص: 363 ] [ ص: 364 ] وحدثنا صالح ، قال : حدثنا سعيد ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا سليمان التيمي ، عن أبي مجلز ، عن قيس بن عباد ، مثله غير أنه لم يذكر أبا ذر .

قال أبو جعفر : فتأملنا هاتين الآيتين المذكورتين في هذه الآثار ، فوجدنا قول الله عز وجل : اختصموا في ربهم قد جاء بلفظ العدد الذي فوق الاثنين ، وكان مثل ذلك مما تقوله العرب التقى العسكران فقتل بعضهم بعضا .

ووجدنا الذين كفروا المذكورين فيهما قد سموا في هذه الآثار وهم شيبة وعتبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة بن ربيعة .

ووجدنا الذين آمنوا المذكورين فيهما قد سموا لنا في هذه الآثار وهم حمزة بن عبد المطلب - وعلي بن أبي طالب - وعبيدة بن الحارث بن المطلب - عليهم السلام ، وكان الذي أوعد الله الذين كفروا المذكورين فيهما كائنا منه فيهم .

ووجدنا ما وعده الذين آمنوا المذكورين فيهما كائنا لا محالة ؛ لأنه وعد من الله والله عز وجل لا يخلف الميعاد [ ص: 365 ] وذلك مما لا يخلفه نسخ ؛ لأن النسخ إنما يلحق الشرائع ، فينسخ منها ما كان حراما إلى أن يجعله حلالا ، وما كان منها حلالا إلى أن يجعله حراما ، فأما ما أخبر منها أنه فاعله ثوابا على عمل قد كان ممن عمله ، فهذا مما لا يلحقه نسخ ، فهذه أحوال هذين الفريقين في الآخرة .

ثم وجدناه عز وجل قد أتبع وعده الذين آمنوا المذكورين في هاتين الآيتين بقوله : وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد ، فكان ذلك إخبارا منه عن أحوالهم التي يكونون عليها في الدنيا رضوان الله عليهم ، وهي الأحوال المحمودة التي لا ذم معها .

ووجدنا قوله عز وجل عند أهل العلم باللغة وهدوا بمعنى ثبتوا كمثل قوله عز وجل في فاتحة الكتاب اهدنا الصراط المستقيم أي : ثبتنا للصراط المستقيم ، ومن كانت أحواله في الدنيا هذه الأحوال المحمودة وأحواله في الآخرة الأحوال التي ذكرها عز وجل في هاتين الآيتين كان بذلك من أهل المنازل العليا في الدنيا وفي الآخرة وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية