الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا ويلتا الألف مقلوبة عن ياء المتكلم؛ و " الويلة " ؛ بمعنى: الهلاك؛ فهو ينادي هلاكه الذي نزل به؛ وذلك للشعور بما نزل به؛ فكأنه ينادي بهلاكه؛ إيماء إلى نزوله به؛ وكأنه يناديه تحسرا؛ وكأنه يقول: " يا هلاكي أقبل؛ فهذا وقتك؛ فإنك نازل لا محالة " ؛ وفيه إشعار بأنه يستحقه؛ ولقد كان في الآية السابقة يتمنى أن يتخذ مع الرسول السبيل الجيد المستقيم؛ فهنا يتمنى أنه لم يتخذ فلانا خليلا صادقا يخالله ويواده؛ ويقترن به؛ ويتبعه؛ ليت؛ وهل ينفع شيئا " ليت " ؛ و " فلان " ؛ كناية عن صاحبه؛ وأصحابه؛ ويتمنى أن لو كان لم يتخذهم أخلاء له؛ ويتحقق قوله (تعالى): الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين [ ص: 5272 ] وهذه الآية - وإن كان موضوعها في اليوم الآخر - تشير إلى سبب الفساد بين الناس في دار الابتلاء؛ والسبب يتلخص في أمرين؛ أولهما: صحبة السوء؛ فإن صاحب السوء أخو الشيطان؛ يسهل للشيطان سبيله؛ ثانيهما: الرأي الفاسد؛ فإنه يكثر فيه خلان السوء؛ ودعاة الشر؛ والتخذيل عن الخير؛ ولقد قال - سبحانه - في وصف خليل السوء: لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني ؛ اللام واقعة في جواب قسم مقدر؛ وهي والقسم المقدر تفيدان التوكيد؛ وقد تفيد التوكيد أيضا؛ و " أضلني " ؛ أي: أبعدني؛ وأوقعني في الضلالة؛ منصرفا عن الذكر الذي يذكرني بربي؛ وهو القرآن والنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وما اشتمل قوله - عليه السلام - من تذكير بالله والإيمان؛ فالذكر يشمل القرآن والنبي؛ وما اشتملت عليه الدعوة المحمدية من تذكير مستمر بالله (تعالى)؛ فقرين السوء أبعده عن الحق والتذكير به؛ إبعادا تاما.

                                                          وحد وقت الذكر؛ وهو وقت مجيئه الذي يكون فيه الهدى والضلال؛ وفي ذكر هذا الوقت إيذان بأنه قد جاء المذكر؛ ولم يجب داعيه؛ وإيذان أيضا بأنه لا سبيل له إلى استعادة ما فات؛ وتغليظ لفساد صحبة صاحبه.

                                                          وقوله (تعالى): وكان الشيطان للإنسان خذولا ؛ هذه الجملة السامية من كلام الله (تعالى) وأحكامه؛ من كلام الذي يقول: ليتني لم أتخذ فلانا خليلا

                                                          فإن كانت من كلام الله (تعالى) فهو - سبحانه وتعالى - يقرر حقيقة ثابتة في الناس؛ والشيطان هنا هو الخليل؛ الذي يدعو إلى السوء; لأنه يكون كالشيطان؛ تسري نفثاته في نفسه؛ كما تسري نفثات الشيطان؛ والشيطان خذول للإنسان؛ يخذله عن السير في طريق الخير وهدايته.

                                                          وعلى أن هذا من كلام الكافر يوم القيامة؛ يكون رميا لخليله الذي أضله بأنه كالشيطان؛ أفسد قلبه؛ وإدراكه؛ وخذله عن أن يسلك مسلك النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ويتخذ سبيله - صلى الله عليه وسلم - الحق؛ والذكر والمعرفة؛ والهداية والبعد عن الضلال؛ و " خذول " ؛ صيغة مبالغة من " خاذل " ؛ وهو الذي يجعل الشخص المقدم على أمر يتردد فيه ولا يفعله؛ والمراد هنا هو التخذيل عن فعل الخير؛ وسلوك الطريق الأقوم؛ والأهدى سبيلا. [ ص: 5273 ] هذا ما يكون من أمر الظالمين في الآخرة؛

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية