الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 490 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( وعنده أم الكتاب ( 39 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( وعنده أم الكتاب ) ، فقال بعضهم : معناه : وعنده الحلال والحرام .

ذكر من قال ذلك :

20506 - حدثني المثنى قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا محمد بن عقبة قال : حدثنا مالك بن دينار قال : سألت الحسن : قلت : ( أم الكتاب ) ، قال : الحلال والحرام . قال : قلت له : فما ( الحمد لله رب العالمين ) قال : هذه أم القرآن .

وقال آخرون : معناه : وعنده جملة الكتاب وأصله .

ذكر من قال ذلك :

20507 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( وعنده أم الكتاب ) ، قال : جملة الكتاب وأصله .

20508 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .

20509 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( وعنده أم الكتاب ) ، قال : كتاب عند رب العالمين .

20510 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق بن يوسف ، عن جويبر عن الضحاك : ( وعنده أم الكتاب ) ، قال : جملة الكتاب وعلمه . يعني بذلك ما ينسخ منه وما يثبت .

[ ص: 491 ] 20511 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : ( وعنده أم الكتاب ) يقول : وجملة ذلك عنده في أم الكتاب : الناسخ والمنسوخ ، وما يبدل ، وما يثبت ، كل ذلك في كتاب .

وقال آخرون في ذلك ما :

20512 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا معتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن سيار ، عن ابن عباس ، أنه سأل كعبا عن "أم الكتاب" قال : علم الله ما هو خالق وما خلقه عاملون ، فقال لعلمه : كن كتابا ، فكان كتابا .

وقال آخرون : هو الذكر .

ذكر من قال ذلك :

20513 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج - قال أبو جعفر : لا أدري فيه ابن جريج أم لا - قال : قال ابن عباس : ( وعنده أم الكتاب ) قال : الذكر .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : "وعنده أصل الكتاب وجملته ، وذلك أنه تعالى ذكره أخبر أنه يمحو ما يشاء ويثبت [ ص: 492 ] ما يشاء ، ثم عقب ذلك بقوله : ( وعنده أم الكتاب ) ، فكان بينا أن معناه : وعنده أصل المثبت منه والممحو ، وجملته في كتاب لديه .

قال أبو جعفر : واختلفت القرأة في قراءة قوله : ( ويثبت ) فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة والكوفة : "ويثبت" بتشديد "الباء" بمعنى : ويتركه ويقره على حاله ، فلا يمحوه .

وقرأه بعض المكيين وبعض البصريين وبعض الكوفيين : ( ويثبت ) بالتخفيف ، بمعنى : يكتب .

وقد بينا قبل أن معنى ذلك عندنا : إقراره مكتوبا وترك محوه على ما قد بينا ، فإذا كان ذلك كذلك فالتثبيت به أولى ، والتشديد أصوب من التخفيف ، وإن كان التخفيف قد يحتمل توجيهه في المعنى إلى التشديد ، والتشديد إلى التخفيف ، لتقارب معنييهما .

وأما "المحو" فإن للعرب فيه لغتين : فأما مضر فإنها تقول : "محوت الكتاب أمحوه محوا" وبه التنزيل . و : "محوته أمحاه محوا" .

وذكر عن بعض قبائل ربيعة : أنها تقول : "محيت أمحي .

التالي السابق


الخدمات العلمية