الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ؛ جاء في التفسير أن هذا الرجل - أعني مؤمن آل فرعون - كان يسمى " سمعان " ؛ وقيل: كان اسمه " حبيبا " ؛ ويكون " من آل فرعون " ؛ صفة للرجل؛ ويكون " يكتم إيمانه " ؛ معه محذوف؛ ويكون المعنى: " يكتم إيمانه منهم " ؛ ويكون " يكتم " ؛ من صفة " رجل " ؛ فيكون المعنى: " وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون " ؛ أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ؛ المعنى: " لأن يقول ربي الله " ؛ وقد جاءكم بالبينات من ربكم ؛ أي: بما يدل على صدقه من آيات النبوة؛ وإن يك كاذبا فعليه كذبه ؛ أي: فلا يضركم. [ ص: 372 ] وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم ؛ وهذا من لطيف المسائل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا وعد وعدا وقع الوعد بأسره؛ لم يقع بعضه؛ فالسؤال في هذا: من أين جاز أن يقول: " بعض الذي يعدكم " ؛ وحق اللفظ: " كل الذي يعدكم " ؛ فهذا باب من النظر يذهب فيه المناظر إلى إلزام الحجة بأيسر ما في الأمر؛ وليس في هذا نفي إصابة الكل؛ ومثل هذا قول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        قد يدرك المتأني بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل



                                                                                                                                                                                                                                        إنما ذكر البعض ليوجب له الكل؛ لا أن البعض هو الكل؛ ولكن للقائل إذا قال: أقل ما يكون للمتأني إدراك بعض الحاجة؛ وأقل ما يكون للمستعجل الزلل؛ فقد أبان فضل المتأني على المستعجل بما لا يقدر الخصم أن يدفعه؛ وكأن مؤمن آل فرعون قال لهم: " أقل ما يكون في صدقه أن يصيبكم بعض الذي يعدكم؛ وفي بعض ذلك هلاككم " ؛ فهذا تأويله؛ والله أعلم.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية