الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( باب قطع الطريق ) .

                                                                                        بيان للسرقة الكبرى وإطلاق السرقة عليه مجاز ولذا لزم التقييد بالكبرى قالوا : إن الشرائط المختصة بها ثلاثة في ظاهر الرواية الأول أن يكون من قوم لهم قوة وشوكة أو واحد كذلك الثاني أن لا يكون في مصر أو ما هو بمنزلته كما بين المصرين أو القريتين . الثالث : أن يكون بينهم وبين المصر مسيرة سفر وعن أبي يوسف اعتبار الشرط الأول فقط فيتحقق في المصر ليلا وعليه الفتوى لمصلحة [ ص: 73 ] الناس . ا هـ .

                                                                                        ( قوله : أخذ قاصد قطع الطريق قبله حبس حتى يتوب ، وإن أخذ مالا معصوما وما قطع يده ورجله من خلاف ، وإن قتل قتل حدا ، وإن عفا الولي ، وإن قتل وأخذ قطع وقتل أو صلب أو قتل وصلب ) بيان لأحوال قاطع الطريق فبين أنها أربع الأولى : لو أمسك بعدما قصد قطع الطريق ولم يقطعها على أحد وحكمه الحبس حتى يتوب وهو المراد بقوله تعالى { أو ينفوا من الأرض } فالنفي بمعنى الحبس ; لأنه نفي عن وجه الأرض ، وقد عهد عقوبة في الشرع ولم يذكر المصنف التعزير وفي الهداية ويعزرون أيضا لمباشرتهم منكر الإخافة ا هـ .

                                                                                        وأطلق في أخذه فشمل ما إذا كان بإذن الإمام أو لا ولم يبينوا بماذا يتحقق قصده لظهور أنه يحصل بوقوفه على الطريق لإخافة المارين ، وأما قطع الطريق حقيقة فبالقتل أو أخذ المال وأن يكون بالإضافة فقط فالضمير في قوله قبله عائدا إلى قطع الطريق لا كما قال الشارح إنها ترجع إلى غير مذكور وكلامه مبني على أن مجرد الإخافة قطع وليس كذلك .

                                                                                        والتوبة ، وإن كانت متعلقة بالقلب لكن لحصولها أمارات ظاهرة فصح أن تكون غاية للحبس . الثانية : أن يؤخذ بعدما أخذ المال ولم يقتل النفس وحكمه أن تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى بشرطين : أحدهما : أن يكون ذلك المال معصوما وهو أن يكون لمسلم أو ذمي فخرج مال الحربي المستأمن . الثاني : أن يكون نصابا ولم يصرح به للاكتفاء بذكره في السرقة الصغرى فلا قطع على من أصابه أقل من نصاب وهو المراد بقوله تعالى { أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف } بناء على أن الأجزية متوزعة على الأحوال كما علم في الأصول ولما كانت جنايته أفحش من السرقة الصغرى كانت عقوبته أغلظ ، وإنما كان من خلاف لئلا تفوت جنس المنفعة ولذا لو كانت يده مقطوعة أو شلاء أو رجله اليمنى كذلك لا يقطع . الثالثة : أن يؤخذ بعدما قتل نفسا معصومة ولم يأخذ مالا وحكمه أن الإمام يقتله حدا لله تعالى لا قصاصا حتى لو عفا الأولياء لا يلتفت إلى عفوهم وأشار بكونه حدا إلى أنه لا يشترط في القتل أن يكون موجبا للقصاص من مباشرة الكل ، والآلة ; لأنه وجب في مقابلة الجناية على حق الله تعالى بمحاربته ولذا قال في المجتبى ويقتل الكل في الحالة الثالثة حدا ، القاتل والمعين فيه سواء ، وإنما الشرط القتل من أحدهم وسواء قتلهم بسيف أو حجر أو عصا أو غيرها ويصير كالجماعة قتلوا واحدا به قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحاب أبي بردة . ا هـ .

                                                                                        الرابعة أن يؤخذ ، وقد قتل النفس وأخذ المال فذكر المصنف أن الإمام مخير بين ثلاثة أشياء إما أن يجمع بين الثلاثة : قطع اليد ، والرجل من خلاف ، والقتل ، والصلب ، وإما أن يقتصر على القتل وإما أن يقتصر على الصلب وهكذا في الهداية ومنع محمد القطع ; لأنه جناية واحدة فلا توجب حدين ولأن ما دون النفس يدخل في النفس في باب الحد كحد السرقة ، والرجم ولهما أن هذه عقوبة واحدة تغلظت لتغلظ سببها وهو تفويت الأمن على التناهي بالقتل وأخذ المال ولهذا كان قطع اليد ، والرجل معا في الكبرى حدا واحدا ، وإن كان في الصغرى حدين ، والتداخل في الحدود لا في حد واحد ثم ذكر في الكتاب التخيير بين الصلب وتركه وهو ظاهر الرواية وعن أبي يوسف أنه لا يتركه ; لأنه منصوص عليه ، والمقصود التشهير ليعتبر به غيره ونحن نقول أصل التشهير بالقتل ، والمبالغة بالصلب فيخير فيه ( قوله : ويصلب حيا ثلاثة أيام ويبعج بطنه برمح حتى [ ص: 74 ] يموت ) تشهيرا له واستعجالا لموته ومعنى يبعج يشق كذا في المغرب ، والصلب حيا ظاهر المذهب كما في المجتبى وهو الأصح وعند الطحاوي أنه يقتل ثم يصلب وقيد بالثلاثة ; لأنه لا يصلب أكثر منها توقيا عن تأذي الناس ، فإذا تم له ثلاثة من وقت موته يخلى بينه وبين أهله ليدفنوه وعن أبي يوسف أنه يترك على الخشبة حتى يتقطع فيسقط ( قوله : ولم يضمن ما أخذ ) يعني بعدما أقيم عليه الحد كما في السرقة الصغرى ولو قال ولم يضمن ما فعل لكان أولى ; لأنه لا يضمن ما قتل وما جرح لذلك المعنى ( قوله : وغير المباشر كالمباشر ) يعني في الأخذ ، والقتل حتى تجري الأحكام على الكل بمباشرة البعض ; لأنه جزاء المحاربة وهي تتحقق بأن يكون البعض ردا للبعض حتى إذا زالت أقدامهم انحازوا إليهم ، وإنما الشرط القتل من واحد منهم ، وقد تحقق ( قوله : ، والعصا ، والحجر كالسيف ) ; لأنه يقع قطعا للطريق بقطع المارة ( قوله : وإن أخذ مالا وجرح قطع وبطل الجرح ) بيان للحالة الخامسة لهم وهي أن يأخذ المال ويجرح إنسانا فتقطع يده ورجله من خلاف ولا يجب شيء لأجل الجرح ; لأنه لما وجب الحد حقا لله تعالى سقطت عصمة النفس حقا للعبد كما تسقط عصمة المال

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( باب قطع الطريق ) .

                                                                                        [ ص: 73 ] ( قوله : وأنه يكون بالإضافة ) كذا في النسخ ولعل الصواب ويكون كما يدل عليه ما بعده ( قوله : لا كما قال الشارح إنها ترجع إلى غير مذكور ) أي لها في قوله قبله والمراد بغير المذكور أخذ المال وقتل النفس وما مشى عليه المؤلف تبع فيه العيني حيث ذكر أن ما في الشرح تعسف بل الضمير راجع إلى قطع الطريق ودفعه في النهر بأن الإخافة حال من أحوال قطاع الطريق كما هو ظاهر الآية والمتن وعلى ما ادعاه العيني لا تكون الإخافة منه أصلا قال ولم ينتبه في البحر إلى هذا فمشى مع العيني وعين الشارح البحر . ا هـ .

                                                                                        وأجاب في حواشي مسكين عن العيني بأن الإخافة لما لم تكن مقصودة ، وإنما المقصود قتل النفس وأخذ المال صح جعل الضمير راجعا إلى قطع الطريق نظرا إلى ما هو المقصود منه وفي قول المصنف قاصد قطع الطريق إشارة إليه إذ مجرد الإخافة ليس من مقصوده

                                                                                        ( قوله : فذكر المصنف أن الإمام مخير بين الثلاثة ) قال في الحواشي السعدية فيه إن التخيير ينافي ما قد ذكره آنفا أن المراد التوزيع على الأحوال فليتأمل في التوفيق [ ص: 74 ] ( قوله : ولو قال ولم يضمن ما فعل لكان أولى ) أجاب في النهر بأنه لما بين أن قتله بمقابلة قتل النفس المعصومة وجرحها ربما توهم أخذ المال من تركته إذ لم يقابل بشيء فبين أنه لا يضمنه قال وبهذا يندفع ما في البحر .




                                                                                        الخدمات العلمية