الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 366 ] 276 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل بر الأم على بر الأب من ولدهما .

1666 - حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا شجاع بن الوليد السكوني ، قال : حدثنا عبد الله بن شبرمة ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة ، قال : { قال : رجل يا رسول الله ، أي الناس أحق مني بحسن الصحبة ؟ قال : أمك .

، قال : ثم من ؟ قال : أمك .

، قال : ثم من ؟ قال : أمك . ثلاث مرار . قال : ثم من ؟ قال : ثم أبوك
} .

[ ص: 367 ]

1667 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا عثمان بن عمر بن فارس ، قال : حدثنا بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده ، قال : { قلت : يا نبي الله من أبر ؟ قال : أمك . قال : قلت ثم من ؟ قال : ثم أمك . قال : قلت ثم من ؟ قال : ثم أمك . ثلاث مرار ، ثم أباك الأقرب فالأقرب } .

[ ص: 368 ]

1668 - حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا مكي بن إبراهيم ، قال : حدثنا بهز بن حكيم ( ح ) وحدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، قال : حدثنا بهز بن حكيم ... ثم ذكر بإسناده مثله .

[ ص: 369 ]

1669 - وحدثنا محمد بن علي بن داود البغدادي والحسين بن الحكم الجيزي الكوفي ، قال : حدثنا عفان بن مسلم ، قال : حدثنا أبو عوانة ، قال : حدثنا منصور ، عن عبيد الله بن علي بن عرفطة ، عن خداش أبي سلامة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : { أوصي امرأ بأمه ، أوصي امرأ بأمه ، أوصي امرأ بأمه - ثلاث مرار - أوصي امرأ بأبيه ، أوصي امرأ بمولاه الذي يليه ، وإن كانت منه عليه أذاة تؤذيه } .

قال أبو جعفر : فكان في هذه الآثار ما قد دل على أن للأم من [ ص: 370 ] البر على ولدها مثل ثلاثة أمثال ما للوالد عليه من البر .

فقال قائل : فقد روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يخالف هذا .

1670 - فذكر ما قد حدثنا محمد بن النعمان السقطي ، قال : حدثنا الحميدي ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا عمارة بن القعقاع ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : { جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : من أولى الناس بحسن الصحبة مني ؟ قال : أمك .

، قال : ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أبوك
} قال سفيان فيرون ، أن للأم الثلثين من البر .

سمعت السقطي يقول حدثنا الحميدي ، قال : وكذلك حدثنا الفضيل بن عياض ، عن هشام ، عن الحسن ، قال : للأم الثلثان من البر وللأب الثلث .

1671 - وما قد حدثنا محمد بن أحمد بن جعفر الكوفي ، قال : [ ص: 371 ] حدثنا علي ابن المديني ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، قال : حدثنا عمارة بن القعقاع ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : { قال رجل : يا رسول الله ، من أحق الناس مني بحسن الصحبة ؟ قال : أمك . قال : ثم من ؟ قال : أمك . قال : ثم من ؟ قال : أبوك } ، قال : فيرون ، أن للأم الثلثين من البر ، وأن للأب الثلث فقيل لسفيان للأم الثلثان في الحديث ؟ قال : سمعته من ابن شبرمة يحدثه عن عمارة قبل أن أراه فسألت عمارة فجاء به .

قال أبو جعفر : فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله وعونه ، أن هذا قد يحتمل أن يكون ابن عيينة ذهب عنه في ذلك ما قد حفظه شجاع ؛ لأن ابن عيينة إنما كان يحدث من حفظه ، وشجاع كان يحدث من كتابه ، وإن كان ابن عيينة قد زاد على شجاع في إسناد هذا الحديث عمارة بن القعقاع بين ابن شبرمة وبين أبي زرعة ، وكان الأولى بنا لما اختلف عن أبي هريرة في ذلك هذا الاختلاف الذي ذكرناه في بر الأم أن يجعل الأولى به منه ما قد وافقه عليه معاوية بن حيدة جد بهز بن حكيم وخداش أبو سلامة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم لا ما خالفاه فيه عنه ، فثبت بذلك أن الواجب للأم على ولدها من البر وحسن الصحبة ثلاثة أمثال ما للوالد عليه منهما والله نسأله التوفيق .

[ ص: 372 ] قال أبو جعفر : ثم تأملنا حديث أبي زرعة الذي بدأنا بذكره في أول هذا الباب ، وهل وافق شجاعا على ما رواه عليه مما خالف فيه ابن عيينة أحد .

1672 - فوجدنا أبا أيوب عبيد الله بن عبيد بن عمران الطبراني المعروف بابن خلف قد حدثنا ، قال : حدثنا سهل بن نصر المطبخي ، قال : حدثنا حبان بن علي ، عن عمارة بن القعقاع ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة ، قال : { قلت : يا رسول الله ، أي الناس أحق بحسن الصحبة ؟ قال : أمك . قال : قلت ثم من ؟ قال أمك . قال : قلت ثم من يا رسول الله ؟ قال أمك . قال : قلت ثم من يا رسول الله ؟ قال أبوك } .

قال أبو جعفر : فهذا حبان قد وافق شجاعا في روايته هذا الحديث على ما رواه عليه ، وحبان فصالح الحديث .

حدثني محمد بن أحمد بن خزيمة ، قال : حدثنا عباس بن محمد الدوري ، قال : قلت ليحيى بن معين ينبغي أن يكون حبان أوثقهما ، يعنيه ومندلا ، قال : ما أقربهما

[ ص: 373 ] ثم وجدنا يحيى بن أيوب الكوفي البجلي قد روى هذا الحديث عن أبي زرعة ، فوافق شجاعا على ما رواه عليه من ذلك ، وخالف ابن عيينة فيه .

1673 - كما حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ، قال : حدثنا نعيم بن حماد ، قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، قال : حدثنا يحيى بن أيوب البجلي ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : { أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما تأمرني ؟ قال : بر أمك ، ثم عاد ، فقال : بر أمك ، ثم عاد ، فقال : بر أمك ، ثم عاد الرابعة ، فقال : بر أباك } [ ص: 374 ] ثم نظرنا في أحوال يحيى بن أيوب البجلي عند أئمة الحديث كيف هي ؟

حدثنا محمد بن أحمد بن خزيمة ، قال : حدثنا العباس بن محمد الدوري ، قال : سمعت يحيى بن معين يقول يحدث ، عن يحيى بن أيوب البجلي وكيع وأبو نعيم ، وليس بيحيى بن أيوب هذا بأس ، فعاد حديث أبي هريرة الذي ذكرنا اختلاف ابن عيينة وشجاع فيه إلى أن الأولى به ما رواه شجاع عليه بمتابعة من تابعه على ما رواه عليه ممن ذكرنا والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية